18 سبتمبر 2025

تسجيل

الدول الناشئة وقيادة صندوق النقد

26 يونيو 2011

نقاش حاد حول السياسات التي يتبعها الصندوق تجاه الدول المقترضة لا يكفي المجتمع الدولي ما يعانيه من جراء البطالة والركود وتقلبات النقد، حتى أتت قضية "دومينيك ستراوس كان" لتزيد من حدة الخلافات الرسمية والشعبية بالنسبة لصندوق النقد وإدارته ودوره المستقبلي. هل المقبول اليوم أن يستمر الغربيون وبالتحديد الأوروبيون في قيادة الصندوق بعد أن ارتفع دور وثقل الدول النامية والناشئة في الاقتصاد الدولي؟ هل ما زالت محاصصة "بريتون وودز" مقبولة، أي أن يتولى أمريكي الجنسية رئاسة البنك الدولي وأوروبي قيادة صندوق النقد بالإضافة إلى وجود فرنسي على رأس منظمة التجارة العالمية؟ كان هذا ربما مقبولا في أربعينات القرن الماضي، إنما أصبح اليوم غير منطقي وربما مضر بالتعاون الاقتصادي الدولي. تكمن أهمية قضية "ستراوس كان" ليس فقط في وضعه النزاع الاقتصادي الدولي في الواجهة، وإنما أيضا ينبه المجتمع الدولي إلى دور الأخلاق في ممارسة الوظيفة والعمل المؤسساتي على كافة المستويات. كيف يمكن لمسؤول دولي كبير أن ينبه الدول النامية والناشئة إلى مساوئ الفساد إذا كان هو فاسدا؟ لا تكمن المشكلة فقط في جنسية المدير العام وإنما في اهتماماته وفي دفع الصندوق في اتجاهات جديدة معينة. هنالك نقاش دولي حاد يدور حول جدوى السياسات التي يتبعها الصندوق تجاه الدول المقترضة بسبب الأزمة المالية وحتى قبلها. توسع مقترضو الصندوق اليوم باتجاه الدول الصناعية بعد أن كان مقتصرا على الدول النامية والناشئة. هل يكون لمدير عام من دولة ناشئة قلب أكبر وبالتالي يراعي ظروف الدول النامية والناشئة بشكل أفضل دون أن يغض النظر طبعا عن المشاكل الأساسية؟ عندما يرتكز الاقتصاد الدولي اليوم على حيوية اقتصاديات الدول النامية والناشئة، لابد عندها من تعديل دورها في إدارة المؤسسات المالية الدولية الأساسية. إن تغير ثقل المناطق اقتصاديا وسكانيا في الاقتصاد الدولي أي باتجاه آسيا وأمريكا اللاتينية لابد وأن يفرض على المجتمع الدولي دورا أكبر لها. من ينكر اليوم الدور الدولي المتصاعد الذي تلعبه روسيا والبرازيل والصين والهند وغيرها من أعضاء مجموعة العشرين الناهضة؟ اجتماع "دوفيل" الأخير أعاد بعض الوهج إلى اجتماعات وقرارات مجموعة العشرين بعد أشهر من الانزواء بسبب مشاكلها الداخلية. في عدد السكان وتوقعات الأمم المتحدة لسنة 2100، من المرجح أن يتعدى عدد سكان العالم الـ 10 مليارات شخص بينهم 22.3% من عمر 65 وما فوق مقارنة بـ 7.6% اليوم. يرتفع عدد سكان القارة الإفريقية من مليار شخص اليوم إلى 3.6 مليار نسمة في سنة 2100. في سنة 1950، كان 32% من سكان العالم يعيش في الدول الغنية مقارنة بمتوقع قدره 13% في سنة 2100. من المقدر أن يبلغ عدد سكان الهند 1551 مليون نسمة في سنة 2100 أي الأعلى في العالم تليها الصين (941 مليون) وثم نيجيريا والولايات المتحدة وتنزانيا وباكستان وإندونيسيا والكونو والفيليبين والبرازيل مما يشير إلى زلزال سكاني دولي كبير سينعكس دون شك على توازنات القوة والنفوذ الدوليين. لذا ستحتاج الدول الصناعية أكثر فأكثر إلى استيراد العمالة والأدمغة من الدول النامية والناشئة لتسيير اقتصادها ودفع نموها، لابد إذا من مراجعة سياسات الهجرة التي ضاقت بسبب الخوف من نمو اليمين المتطرف في معظم الدول الغربية. يجب النظر إلى سياسات الهجرة كمفيدة للجانبين وبالتالي مطلوبة دوليا. في نسبة حجم ميزان الحساب الجاري من الناتج المحلي الدولي، يتبين لنا الثقل الكبير للمجتمع العربي حيث يتفوق في المجموع على الصين واليابان. نعي أن سبب القوة المالية العربية هو النفط وعندما ترتفع أسعاره، يزيد الاحتياطي النقدي للدول المعنية. في الصين، ترتفع نسبة الادخار إلى أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي وهي مدهشة خاصة وأن الناتج الفردي الحقيقي لا يزال في حدود 3500 دولار أي عشر متوسط الدول الغربية، ترتفع نسب الادخار خاصة عند الأسر وثم الشركات وأخيرا القطاع العام علما أن جميعها إيجابية باستمرار. أما الفائض الياباني، فيعتمد على الصادرات المبنية على صناعة ممتازة ورائدة وصفت بها الدولة منذ عقود، تستقطب هذه الدول وغيرها الأموال الهاربة خاصة من إفريقيا، بسبب ضعف الثقة وخوف قطاع الأعمال من التأميم أو المصادرة أو المنع. بلغت قيمة هذه الأموال حوالي 7% من ناتج المجموعة الإفريقية التي تحتاج اقتصادياتها إليها للاستثمار الداخلي وتطوير قطاعات البنية التحتية والاجتماعية، في الأرقام وللمقارنة، تبلغ نسبة الادخار من الناتج 54% في الصين، 34% في الهند، 19% في فرنسا، 26% في ألمانيا و12% فقط في الولايات المتحدة. الادخار الداخلي مهم جدا لتمويل الاستثمارات بأدنى تكلفة ممكنة. إن تطور البورصات لا يحمي الاقتصاديات بالضرورة. في مؤشر قيمة تبادلات الأسهم من الناتج المحلي الإجمالي، نرى أنها تصل الى310% في الولايات المتحدة و372% في بريطانيا وهما الدولتان الأكثر تضررا بالأزمة المالية العالمية. تصل النسبة إلى 230% في الصين، علما أن المعدل الدولي هو 185% ولا تحقق دول المنطقة العربية إلا مستوى 19% من ناتجها وهي الأدنى دوليا مما يشير إلى بدائية القطاع في قوانينه وشفافيته وأدواته. يمكن القول إن ضعف العمق المالي حمى المنطقة العربية خلال الأزمة، إلا أن الصحيح أيضا هو أنها تخسر العديد من الفرص الاستثمارية بسبب هذا الواقع، في القيمة السوقية للبورصة من الناتج، تصل إلى 145% في الولايات المتحدة و139% في بريطانيا علما أن المعدل الدولي لا يتعدى 120% وفي المنطقة العربية هو 56% فقط مقارنة بـ 80% للبرازيل و119% للتشيلي و156% لماليزيا و281% لدولة إفريقيا الجنوبية. تطوير البورصات ضروري للتمويل، إذ يزيد من عدد مصادر الاقتراض ويخفف من تكلفته. في تاريخ الدول الصناعية، حصلت أزمات نقدية في حالات ثلاث: أولها: عندما ارتفعت نسبة التضخم وثم: عندما انخفض الطلب العام على السلع والخدمات وارتفعت نسبة البطالة، وثالثا: عندما تحقق هروب كبير لرؤوس الأموال وعجز مزمن في ميزان الحساب الجاري. هنالك بذور في الاقتصاديات الغربية لهذه المشكلات الثلاث مما يؤكد على ضعف بنيتها الحالية وعدم الاتفاق على سياسات ناجحة للإصلاح والتطور. في ظل هذه الوقائع، تتقلب أسعار النقد دون أن تشير إلى نمط أو اتجاه معين حتى على المدى القصير. بسبب الأزمات الأوروبية في اليونان وإسبانيا وغيرهما، كان من الممكن توقع سقوط اليورو تجاه الدولار لو كانت أوضاع أمريكا أفضل. إلا أن الحقيقة غير ذلك وبالتالي تتساوى الاقتصاديات الغربية في مشاكلها وضعف بنيتها النقدية وسوء سياساتها بعد عقود من العمل الشاق. إن أهم ما في المأزق الغربي هو اضطرار الدول إلى تصحيح واقعها المالي في ظروف ركود وبطالة مما يعيق نهضتها المستقبلية. كيف يمكن حماية الاقتصاد والنقد ضمن موازنات عاجزة ودين عام يتراكم بسرعة ليصل من الناتج الوطني إلى 204% في اليابان، 100% في الولايات المتحدة، 89% في بريطانيا، 133% في إيطاليا و97% في فرنسا. ماذا تشير هذه الأرقام بالنسبة إلى نوعية الإدارات المالية للدول الغربية الكبيرة مقارنة بالناشئة وحتى النامية؟ تحتاج الدول الغربية إلى مراجعة جدية لموازناتها تعتمد على ترشيد الإنفاق وتوزيع الإيرادات بشكل أفضل بالإضافة إلى تخفيف الفساد وتضارب المصالح. هل هنالك من مبررات منطقية وعلمية بعد للمحافظة على توازن "بريتون وودز" الذي حل مشكلة في وقتها لكنه شاخ وحان الوقت للخروج منه وتعيين مدير عام من دولة ناشئة أساسية أحسنت إدارة ملفاتها المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية وهي عديدة دون شك.