27 أكتوبر 2025
تسجيلعام على اختراق وكالة الأنباء القطرية، ما هي الدروس وما هي العبر؟ الجريمة الإلكترونية العالمية كشفت النقاب عن الكثير من الأقنعة التي كانت تتستر خلفها شخصيات عديدة من أشباه المثقفين والمنظرين للديمقراطية والحريات الفردية وحقوق المواطن العربي من المحيط إلى الخليج. الاختراق فضح سياسيين وإعلاميين ومسؤولين كان الشارع العربي يثق فيهم ويحترمهم وكان يظن أنهم يمثلونه ويدافعون عن حقوقه ومصالحه؛ الاختراق كشف أنهم مجرد أبواق وأقلام مأجورة تركض وراء المال والشهرة والنفوذ. الاختراق كشف أنه لا مجال للمثقف العضوي في الفضاء العربي، ولا مكان لمثقف يؤمن بقيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. مؤسسات إعلامية عربية كانت لديها سمعة واحترام وصدى عند الرأي العام العربي، لكن فجأة انكشفت الأمور وأصبحت هذه المنظمات الإعلامية مجرد أبواق مأجورة عند المواطن العربي. كشف الاختراق عن مئات الملايين من الدولارات التي تم دفعها لوكالات العلاقات العامة الدولية في واشنطن ونيويورك وغيرهما من العواصم العالمية لشيطنة قطر بترسانة من الأكاذيب والمقالات المفبركة وحملات الدعاية والتشهير والتضليل. كما كشف الاختراق المؤتمرات المفبركة التي استخدمت أموالا طائلة وأشباه مثقفين قبضوا مقابل الكذب والتضليل وشهادة الزور. ببساطة الاختراق كشف عن انهيار أخلاقي لا مثيل له في التاريخ سواء على الصعيد السياسي أو الدبلوماسي أو الإعلامي؛ وحتى الدين لم يسلم من أئمة مأجورين ورجال دين يفتون حسب الطلب. الاختراق كشف أن الجيران لا يريدون أن تنظم كأس العالم في الدوحة سنة 2022، بل راح بعضهم يغرد ويقول" تنازلوا عن كأس العالم وسنفك الحصار". الاختراق كشف عن دولة صغيرة من حيث المساحة لكن قوية، صامدة، هادئة أحسنت التعامل مع الأزمة وأثبتت بشهادة الدول العظمى والعالم بأسره أنها دولة تحترم المواثيق الدولية وقوانين وأعراف السياسة الدولية ومبادئ الجوار واحترام المنظومة الدولية. ما هو الدور الذي لعبته وسائل إعلام دول الحصار؟ تلك الوسائل التي فبركت الأزمة وباركتها وقدمت التصريحات المفبركة لأمير قطر رغم التكذيب الرسمي لدولة قطر لهذه التصريحات ورغم الإعلان الرسمي من قبل قطر عن اختراق وكالتها للأنباء -وكالة الأنباء القطرية (قنا)، فالتصريحات المفبركة لم تكن إلا مبررا لافتعال الأزمة وإعلان الحصار على دولة قطر. فالانطلاقة إذن، كانت غير أخلاقية وجريمة إلكترونية تم اكتشافها فيما بعد من قبل خبراء أمريكيين وروس وقطريين، وجاءت النتائج مؤكدة تورط دولة الإمارات العربية المتحدة في اختراق وكالة الأنباء القطرية. ما قام به الإعلام في دول الحصار هو مباركة الجريمة الإلكترونية ومواصلة التضليل و"الفبركة" والتعتيم والتشويه في حق دولة قطر وتقديمها كدولة إرهابية تمول الإرهاب عبر العالم وتحتضن المنظمات الإرهابية العالمية وعلى رأسها حركة حماس. فعلى سبيل المثال ولا الحصر هذا ما تفضل به أحد كتاب الرأي في وسيلة من وسائل إعلام دول الحصار: " من المغرب العربي إلى قرى الهند مروراً بمصر وبلاد الشام والإمارات والبحرين والسعودية وذهاباً إلى لندن، وربما دول ومدن أخرى ستكشفها الأيام المقبلة، هذا ليس استعراضاً ساذجاً للجغرافيا. ولكنه استعراض للمحطات التي رمت فيها قطر بحمولات دعم مختلفة ومتفاوتة وصولاً إلى هدف واحد وغاية واحدة: دعم الحركات الإرهابية لتحقيق أكبر قدر من الفوضى، فكانت اليد التي ارتدت قفاز الشيطان تحقيقاً لأهداف آثمة، الخراب والفوضى والدماء، زلزلة الجغرافيا، إضعاف الأنظمة، بعثرة الوحدة الوطنية للمجتمعات والدول، وإصابة الجيوش في مقتل! ". أيعقل هذا الكلام من مفكر ومثقف وصانع رأي عام؟ ما فائدة ومصلحة قطر من كل هذه الأعمال؟ ولماذا؟ وما هي الأدلة والبراهين؟ وهذا هو الإعلام الذي يفرق أكثر مما يجمع، يخرب ويسهم في الفتن والأزمات والحروب التي يستفيد منها الآخر.. عدو الحقيقة وعدو الأمة والإسلام. الاتهامات والصور التي فبركها إعلام الحصار والتضليل على سبيل المثال شملت المقالات والأخبار المتعلقة باحتضان قطر كأس العالم 2022. حيث أشارت مقالات عديدة إلى أن أحلام المونديال تبخرت والتقارير اكدت أن قطر متورطة في عمليات رشوة وبذلك فإن أستراليا هي البلد الذي سيحتضن هذه التظاهرة الكروية العالمية. وهذا ما كتبه أحدهم حول الموضوع: "تلقت قطر صفعة جديدة بعد المقاطعة العربية، بعد إعلان مجموعة من الشركات المسؤولة عن تشييد الملاعب والفنادق لمونديال 2022 المقرر إقامته في الدوحة الرحيل، وعدم استكمالهم المشروعات الموكلة إليهم، وفجرت صحيفة "التلجراف" البريطانية القضية، بعدما أكدت في تقرير مطول أن الشركات التي تقوم بعمليات البناء ومعظمها أمريكية وبريطانية تستعد للخروج من قطر على الرغم من عدم استكمال مشروعات كأس العالم، بسبب المقاطعة العربية للدولة الخليجية الداعمة للإرهاب." ومن خلال التغطية الإعلامية للأزمة نلاحظ رائحة التشفي والضغينة والحقد والحسد وإثارة الفتنة والخلافات والنزاعات والأزمات والحروب. ممارسات إعلام الحصار بعيدة كل البعد عن المهنية والالتزام واحترام ذكاء القارئ. فمنهم من تكلم عن "المعدة" وعدم قدرة القطريين على التعود على استهلاك المواد الغذائية التركية، ومنهم من تكلم عن الأبقار التي استوردتها قطر ولم تقدر على تحمل الحرارة وبذلك عدم قدرتها على العيش في قطر والاستفادة منها في تزويد البلد بالحليب. حكايات وقصص عديدة وغريبة يندى لها الجبين ويتأسف كل عاقل عما وصل إليه الإعلام في دول الحصار. كيف لا ويأتي صحفي ويعلن أن نتيجة للحصار لم يجد القطريون ما يأكلونه في رمضان وأنه لا وجود للمواد الغذائية في المراكز التجارية وغيرها من منافذ البيع. ومنهم من تجرأ وقال بكل وقاحة وانحطاط أخلاقي ومباشرة على الهواء أن قطر استعانت بشبيه لأمير قطر الشيخ تميم للقيام بجولة في أوساط الشعب. وقد يتساءل عاقل عن الضمير المهني وعن أخلاقيات مهنة نبيلة كمهنة الإعلام. كيف يهدأ بال هذا الصحفي عندما تنفرج الأمور وتهدأ وتنجلي الحقيقة وتسقط الأقنعة وتعلم الشعوب والرأي العام أن جريمة تضليل وتزييف وكذب وافتراء قد اقترفت في حقه. حصار قطر كشف عن أزمة معقدة وعويصة تعود جذورها إلى التاريخ وإلى أطماع ونوايا لا علاقة لها بالعمل الخليجي المشترك. فاليوم أصبح مجلس التعاون الخليجي خاليا من كل محتوى وبدون روح في الوقت الذي تحتاج فيه الدول الخليجية، وأكثر من أي وقت مضى، إلى اتحاد قوي لمواجهة التحديات العديدة التي يشهدها العالم على مختلف الصعد.