10 سبتمبر 2025

تسجيل

فضائيات التضليل والفتن

26 مايو 2017

شهدت الساحة الإعلامية في منطقة الخليج في اليومين الأخيرين نقاشا وجدالا كبيرين حول التعامل غير المهني وغير المسؤول وغير الموضوعي من قبل فضائيات عربية كشفت من دون ما تدري عن انعدام المهنية والحرفية لممارستها لمهنة نبيلة اسمها الصحافة. والغريب في الأمر ورغم تكذيب الخبر بطريقة رسمية من قبل مسؤولين قطريين إلا أن الفضائيات تجاهلت الموضوع نهائيا واستمرت في التعامل مع تصريح سمو أمير قطر وكأنه تصريح صحيح وسليم وأنه ليس من فبركة القراصنة الذين اخترقوا موقع وكالة الأنباء القطرية. وعندما تكون النية غير سليمة والهدف هو النيل من دولة أخرى فالموضوع لا يختلف حوله اثنان. في أبجديات أخلاقيات الصحافة، على الصحفي أن يتبين ويتأكد من الخبر قبل أن ينشره ومن أبجديات الصحافة كذلك ضرورة التريث والتعقل والاحتكام إلى المنطق قبل كتابة أي شيء خاصة إذا تعلق الأمر بأمير دولة وبسمعة وشرف وسيادة دولة بكاملها. لو تريث الصحفيون في قنوات الفتنة والعار قليلا وتساءلوا أيعقل أن يشرف سمو أمير دولة على حفل تخرج الدفعة الثامنة من خريجي الخدمة الوطنية في الفترة الصباحية ولا تنشر وكالة الأنباء الرسمية التصريح إلا في صبيحة اليوم الموالي؟! أين المنطق هنا وأين العقل؟ الأمر الثاني يتعلق بتفنيد الخبر جملة وتفصيلا من قبل الجهات الرسمية في دولة قطر، وهنا تشير أخلاقيات المهنة إلى أن القناة الفضائية التي نشرت الخبر يجب أن تعتذر لمشاهديها وجمهورها وتعلن أن الخبر مفبرك وصادر عن قراصنة اخترقوا موقع وكالة الأنباء القطرية، والغريب في الأمر أن عددا من الفضائيات العربية تعامل مع الخبر وكأنه خبر صحيح وصادر عن وكالة الأنباء القطرية واستمر في التعامل معه بل عالج الخبر في برامج حوارية باستضافة رؤساء تحرير وسياسيين وإعلاميين للتفنن في توجيه الانتقادات المختلفة لدولة قطر. فالأمر بكل بساطة هو استغلال الخبر المفبرك لـ "تأطيره" و"بروزته" ووضعه في قالب يخدم سياسة وأيديولوجية وأهداف القناة والذين يشرفون عليها سواء كأشخاص أو دول. ما شهدناه يشبه تماما ما تقوم به قناة "فوكس نيوز" وأمثالها عندما تقوم بتغطية الأعمال الإرهابية وتنسبها للعرب والمسلمين بطريقة آلية وأوتوماتيكية وفور حدوث العمل الإرهابي وحتى عندما يتبين لاحقا أن العرب والمسلمين لا علاقة لهم بالموضوع نلاحظ تجاهل هذه الفضائيات للموضوع ولا تقوم بالاعتذار وتصحيح التحيز والتضليل الذي تمارسه. ما قامت به بعض الفضائيات العربية في تعاملها مع الخبر المفبرك لسمو أمير قطر هو عملية "تأطير" framing الخبر بهدف النيل من دولة القطر وكأن هذه الفضائيات كانت تنتظر هذه المناسبة لتفريغ جعبة الحقد والكراهية وإثارة الفتنة ضاربة عرض الحائط بالمبادئ الأساسية لأخلاقيات العمل الصحفي النزيه والمسؤول. تقوم نظرية تحديد الأجندة أساسا على عملية "التأطير" framing حيث إن التركيز على قضايا وإهمال قضايا أخرى يعني وضع هذه الأحداث وهذه القضايا في سياق معين وخلفية محددة وفق أطر يراها صانع الرسالة الإعلامية - الصحفي - والمؤسسة الإعلامية والبيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ملائمة لفهم الحدث والقضية. فالتأطير هو انتقاء وتسليط الضوء على جوانب معينة من الأحداث والقضايا وإبراز الترابط بينها بهدف خلق وتطوير تفسير وتقييم وتقديم حل للقضايا المطروحة، فالأخبار ليست بريئة وليست سلعة مجردة وإنما هي منتج فكري ومعنوي تُقدم للجمهور من الزاوية التي يراها الصحفي صحيحة وملائمة وتفي بالغرض. وعلى حد قول الصحفي الأمريكي دون شابمان "الأخبار هي ما أقرر أنا أنها أخبار". فبالنسبة لغوفمان عملية التأطير هي عملية بناء محدد للتوقعات التي تراها المؤسسة الإعلامية ضرورية ليدرك الجمهور الحدث، فهي عملية مقصودة وجزء من عملية صناعة الخبر يقوم بها القائم بالاتصال من أجل تقديم الحدث وفق إدراكات وأحاسيس الناس وفهمهم لما يحيط بها محليا ودوليا. وعلى هذا الأساس تجاهلت بعض الفضائيات العربية تكذيب تصريح سمو أمير قطر وتفنيده من قبل مسؤولين قطريين كبار والذين أشاروا إلى عملية قرصنة وكالة الأنباء القطرية من قبل مجهولين فبركوا تصريح سمو الأمير. بعض الفضائيات استمرت في استغلال التصريح متجاهلة تماما تكذيب الخبر مما يعني أن هذه الفضائيات استغلت الخبر رغم أنه كاذب لتحقيق أجندتها والتي تتعارض جملة وتفصيلا مع أخلاقيات العمل الإعلامي. تمر عملية التأطير بعدة مراحل لتقديم المنتج الإعلامي النهائي للجمهور. فالخطوة الأولى تتمثل في حكم الصحفي وتقييمه للحدث حيث إنه يصدر أحكاما واعية أو غير واعية، إرادية أو غير إرادية انطلاقا من البناءات الإدراكية والمعرفية وإطاره المرجعي ومعتقداته وقناعاته التي تراكمت لديه من خلال عقود من الزمن من الممارسة الإعلامية ومن خلال تفاعله مع البيئة التي يعيش فيها. أما المرحلة الثانية فتتمثل في وضع الحدث وفق الأطر المهنية والقيم الخبرية والخط الافتتاحي للمؤسسة الإعلامية ونظمها الظاهرة والخفية. أما المرحلة الثالثة فهي قراءة في الأطر الخاصة بالجمهور حيث يأخذها القائم بالاتصال بعين الاعتبار في تأطير الحدث. أما المرحلة الأخيرة فهي حوصلة تشابك وتداخل السياسات والممارسات المهنية وخلفية القائم بالاتصال ونوعية الحدث وخلفياته الثقافية والسياسية والأيديولوجية وموقعه في اهتمامات الجمهور. فحسب إنتان تتكون عملية التأطير من القائم بالاتصال والنص والمتلقي والثقافة. هذا ما تجسد في تعامل بعض الفضائيات العربية مع خبر مفبرك صنعه قراصنة ونسبوه لوكالة الأنباء القطرية. وبكل بساطة ووضوح ظهرت النوايا الخبيثة وغير الصحية لأناس ادعوا أنهم إعلاميون وصحفيون ينقلون الحقائق والمعلومات للرأي العام حتى يعي ماذا يحدث من حوله وفي العالم، لكن الأمر مع الأسف الشديد غير ذلك تماما، فهؤلاء الصحفيون وهاته الفضائيات تفبرك الواقع ولا تقدمه كما هو للرأي العام. المؤسسات الإعلامية في عصرنا الحالي أصبحت مؤسسات تصنع الوعي الاجتماعي وفق آليات وطرق منهجية ومنظمة لخدمة النظام والقوى التي تحدد معالم هذا النظام وتسيره. فصانع الرسالة الإعلامية عادة ما يقوم بـ"تأطير" المنتج الإعلامي - وضع الخبر في إطار - وهذا يعني أن ما هو خبر لمؤسسة إعلامية معينة قد لا يعتبر خبرا لوسيلة أخرى. فالتأطير هو تلك العملية التي من خلالها يتم توظيف النص الصحفي للربط بين مختلف المعاني في عقل القارئ اعتمادا على العناصر المختلفة لهذا النص وذلك باستثارة معانٍ ودلالات وأنساق وأبنية معينة ومخزنة في ذاكرته تشكل إدراكه واستجاباته للمحتوى الإعلامي. فالتأطير هو الطريقة التي يُقدم بها النص الإعلامي من طرف الصحفيين من خلفيات ثقافية وأيديولوجية وثقافية واجتماعية ويحدد طريقة فهم وإدراك المتلقي للنص الإعلامي انطلاقا مما يخزنه من مفاهيم ومعانٍ حول هذا الموضوع أو ذاك. الإعلامي يقدم النص بطريقة "مبروزة" انطلاقا من خلفياته الثقافية والسياسية والدينية والقيمية وبطريقة تجعل المتلقي يتقبلها كما يريد المرسل وليس حسب مرجعيات المتلقي؛ فالذي يحدد طريقة الفهم لدى المتلقي هو المرسل من خلال التأطير الذي يحدده ويختاره للنص الإعلامي. فالتأطير هو التركيز على عناصر معينة من الخبر وإهمال عناصر أخرى. فعملية التأطير هي وضع الحدث في إطار محدد يتماشى مع قناعات الصحفي وفق سياسة المؤسسة الإعلامية والتجارية والاقتصادية وعوامل أخرى اجتماعية سياسية ثقافية أيديولوجية دينية...إلخ، وكذلك الأخذ بعين الاعتبار ما يروق ويتوافق مع الذاكرة الجماعية والثقافة السائدة في المجتمع. فالإطار هنا لا يسمح بالخروج عن المتفق عليه في المجتمع. فهناك على سبيل المثال قضايا وحوادث تقصى وتلغى من أجندة المؤسسة الإعلامية لأنها لا تتناغم ولا تتناسق مع الإطار العام للمؤسسة. مع الأسف الشديد بعض الفضائيات العربية انحازت للتضليل والتشويه والتلاعب وتجاهلت تكذيبا رسميا للتصريح بهدف إثارة الفتنة والمساس بسمعة وكرامة دولة.