24 نوفمبر 2025
تسجيليلومون حماس على تعزيتها في القيادي بحزب الله "مصطفى بدر الدين" وقد لاموها من قبل على تعزيتها بسمير القنطار وربما سوف يلومونها من بعد إن قدمت التعازي في حسن نصر الله أو في خامنئي.. ولا شك أن هذا اللوم مبني على حسن الظن بها والقناعة بإسلاميتها واختيارها مربع الشعوب وثوراتها، ولا شك أيضا أن فجورات الطائفية الإجرامية الإيرانية هي الصورة الذهنية الحاكمة على العلاقات معها في هذه الفترة ولكن من يقوّمون سلوكا تكتيكيا لحماس "كالتعزية" يجدر بهم أن ينظروه في إطار مواقفها الإستراتيجية، وأن يتجاوزوا واقعة شاردة وإجماليات عامة إلى التدقيق والتفصيل، وأن يتحرروا من تأثيرات العقل الجمعي، وأن يستعصموا بالموضوعية العلمية والواقعية ؛ وذلك ما أحاوله في هذه المقالة التي لن يستوعب ما بين سطورها إلا قلة أتمنى أن يكون القارئ واحدا منهم.. ولننظر حجة من يلومون حماس ؛ فهي أربعة اعتبارات ؛ الأول: أن الأمة واحدة بسلمها وحربها فسوريا كالعراق وكفلسطين وما يجب على هؤلاء هو ذاته يجب على أولئك، الثاني: أن حالة العلاقة مع إيران هي حالة حرب لا هوادة فيها ولا مجاملات، الثالث: أن حماس غير مضطرة لهذه العلاقة فلها حلفاء آخرون يغنونها عن إيران ومعسكرها، والرابع: أن ما لا تستطيعه حماس من مؤازرة الشعب السوري في أعلى الجهد تستطيع أقل منه في حدود المقاطعة وفي حدود التضامن العاطفي.. وأناقش هذه الحجج فأقول: أما أن القضية السورية كالقضية الفلسطينية مطلقا فهذا غير صحيح ؛ ومن المقرر شرعا أن واجب رد العدو متعلق بأهل المحلة المعتدى عليها قبل أن ينتقل الواجب لغيرهم، كما أن الحدود السياسية قد صار لها اعتباراتها في الشرع والعرف وما يجب وما لا يجب.. ثم لنطرح الأسئلة الآتية: هل على حماس أن تخوض كل معارك الأمة البينية والخارجية والسياسية والعسكرية والفكرية وما هي إلا فصيل فلسطيني لديه همومه ومثقلاته وتحدياته! وهل المطلوب أن تنشغل عن قضيتها المركزية كما ينشغل الآخرون بما يشتت الاهتمام ويبدد الجهود؟ ثم أليس يكفي القضية الفلسطينية ما ألحقته بها فتح والفصائل التي تناحرت في الحزازات خارج الفلسطينية وكان سببا في تهتكها الذي وصلت إليه؟وأما أن العلاقة مع إيران علاقة حرب لا تحتمل المجاملات ؛ فهذا غير صحيح أيضا ؛ بل إن الحرب الطائفية ما هي إلا خيار أعدائنا – ومن شاء فليقرأ ما يكتبه المستشرق الصهيوني "برنارد لويس" منذ أربعين سنة-! ولكن حتى مع العداوة الطائفية ؛ هل كل من يعادينا يتوجب قتاله فورا؟ أليس لنا أن نتخذ معه سبيل البحث عن تقاسمات وتفاهمات كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش ومع يهود المدينة؟ بل لماذا شرعت –أصلا- في دين الله وفي سلوك نبيه الكريم شريعة المهادنات والمصالحات؟ ثم أليس قد مرت العلاقة بإيران في الصداقات والتحالفات كما تمر اليوم بالعداوات والصراعات؟ وأما أن لحماس حلفاء آخرين يغنونها عن إيران ومعسكرها ؛ فالسؤال: هل حماس مستغنية عن سلاح إيران أم مضطرة إليه وهو المعنى الحقيقي لوجودها؟ وهل غير إيران قدم أو سيقدم لها هذا النوع من الدعم؟ وماذا لو تحولت حماس لمجرد ظاهرة صوتية عربية كظواهر أخرى كثيرة؟ ثمة سؤال مركزي هنا: هل الدول التي تدعم حماس سياسيا قادرة على دعمها بالسلاح؟ وهل هذه الدول تكون أقدر على تبرير دعمها لحماس أمام "حكام العالم" أم أعجز عن ذلك عندما يكون لحماس خيارات أخرى في معسكر آخر؟ وأما أن الشعب السوري ينتظر من حماس موقفا تضامنيا ولو في حدود العاطفة؛ ففي هذا الطرح تجاهل ومزايدة على حماس التي تخلت عن كل حلفها مع إيران ومعسكرها عندما انحازت للثورة السورية.. لكن إذا تعلق السؤال بقطع شعرة معاوية "التقية بالتعزية والتهنئة" فالسؤال: ما العائد العملي من المصلحة على الثورة السورية مقابل المفسدة على حماس ووجودها؟ آخر القول: حماس ليست معصومة من كل خطأ ولكن نقدها يجب أن ينتقل من الإجمال إلى التفصيل ومن تلمس الأخطاء إلى التماس المعاذير بالأخص عندما يكون المقصود حركة بوزن وقيمة ومصداقية حماس.