31 أكتوبر 2025

تسجيل

ديمقراطية إيران بين حقبتين

26 مايو 2013

كانت مسائيات بيوتنا المعتمة في حقبة ما قبل النفط في الخليج تضاء بوقود "الكيروسين" المجلوب من مقاطعة عبدان الإيرانية. أما حين يشتد المرض بأحد ما هنا في دول الخليج فليس له من وجهة للاستشفاء سوى مصحات شيراز وأطبائها المهرة. كانت تلك حقبة إيران الذهبية وحضورها المميز بالشهرة عند الجميع، حيث لم تكن الرحلات تنقطع من وإلى هناك، سياحة وتجارة وعلاجا. فإيران بطبيعتها وما حققته من مكتسبات الحضارة في التعليم والقانون وعموم مكونات المجتمعات الحديثة ومؤسساتها هي واجهة شعوب الخليج فيما قبل 1979م فربما طائرة شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي المغادرة إلى المجهول حملت معها الكثير من مزايا المجتمع الإيراني وثقافته لتدخل البلاد مع بدايات الثورة مأزقاً حاداً مع التاريخ والجغرافيا، ليس فيما حولها من مناطق ودول، بل مع كل العالم في حدة لا تبشر إيران وثورتها بمستقبل يضيف أو حتى يعيد للبلاد ذلك الحضور المميز في خارطة الاقتصاد العالمي وصورة الحضارة التاريخية التي حافظت عليها إيران قرونا زمنية طويلة. كانت النسخة القانونية التي بشرت بها الثورة شعوب بلاد فارس في عهدها الجديد ذات ملمح ديمقراطي ومسؤولية معلنة تجاه هموم الأمة وقضاياها، فالثورة اعتمدت على روح الحرية ورفع شعار الإسلام والتدين، فسلاحها المميز تجاه ما اسمي بطغيان الشاه وسياساته هو التكبير اليومي المستمر على أسطح المنازل من حناجر المؤمنين بمصداقية الثورة وما تحمله من ملامح الخلاص من استبداد عرش الطاووس. كانت الحناجر لا تمل التكبير توافقاً مع طبخات دهاليز السياسة العالمية التي انتقمت من ممارسات الشاه بهلوي ورئيس حكومته مصدقي الذي وجه لاقتصادات العالم ضربة قوية بقرار تأميم النفط الإيراني، فكان آية الله الخميني النموذج الجاهز لما بعد مغادرة الشاه. وكأن تكبيرات الحناجر الموتورة أتت أكلها واستجاب الله لإيمانيات القوم وحل الخلاص من ظلم الشاه الذي صور ديكتاتوراً ضمن من يشتمهم تاريخ الأمم. فكانت كل إيران بتاريخها وثرواتها وطموحها في يد الملالي بعد هبوط طائرة الإمام الخميني لتدار بعقلية غريبة حولت بهجة الأرض ومقدرات المجتمع نحو هدف يستنسخ أجندات عصور لا تتفق مع برمجيات العصر وحداثته. فلم تعد عبدان تمد العالم بالطاقة ولم تعد شيراز وجهة الاستشفاء المعتادة وظلت البلاد تصارع النكبات والمواجهات وقرارات حظر الاقتصاد المتوالية وهي من يملك أقوى جيوش المنطقة خبرة وعتادا وهي من يملك أبدع ممارسات البحث والعمل ومقدرات الطاقة والعمل سوى أن النتائج تتوالى مخيبة لآمال المنصفين ومعدلات التنمية ومقاييسها. فالديمقراطية غدت شبحاً يخيف حراس الثورة فيتوارون خلف توجيه صناديق الانتخاب وتزويرها وإقصاء من يبشرون الجماهير بحلول مجزية للخروج من أزمات البلاد السياسية والاقتصادية. ولعل في خطابات السيد أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص النظام وأحد الرموز الرئيسية التي لعلبت دوراً قياديا في تأسيس بدايات الثورة بعد إقصائه من منافسات رئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة ما يمثل إشارات واضحة تشخص الوضع الإيراني عن قرب وحالة اختفاء الديمقراطية الحقيقية التي بشرت بها الثورة وبحت لأجلها حناجر الجماهير سوى أن رفسنجاني سقط من سباق الرئاسة القادم بنفس تلك المزاجية التي أزاحت الكثيرين من مقاعد المقدمة في قيادة الجمهورية التي استباحت دماء الكثيرين في بداية عهدها، فقتل من قتل وفر من فر من طهران كما فعل أول رئيس للجمهورية في عهد الثورة أبو الحسن بني صدر "1980-1981 م" والذي أكد حقيقة ميول الثورة نحو الأحادية في الفكر وتبني قيادة البلاد بميول تطرفية لا تقر الآخر وحرية الفكر والرأي مما يعني موت الديمقراطية التي بُشر بها الشعب الإيراني مبكراً ودخولها مأزق الانغلاق والتحول نحو ولاية الفقيه وتصفية المثقفين ورواد الفكر التعددي المنفتح. عموماً كنا نطمح أن يصار إلى العودة بإيران إلى مقعدها التاريخي وكانت الانتخابات المرتقبة أملاً نحو تلك الرؤية التي يتحفز لها المعتدلون من الشعب الإيراني وكل المتابعين والمهتمين بالشأن الإيراني ودائرة التعاطي الإيجابي مع الدولة الإيرانية لا أن تكون ضمن مثلث الشر ومصدر القلق العالمي لمجرد ميول نخبوية قد تجر البلاد إلى المزيد من الأزمات والتفكك كما يشير السيد رفسنجاني المبعد عن سباق التنافس الرئاسي لتظل إيران كما هي في خيال العامة اليوم مصدر قلق لا مصدر للطاقة والخير.