14 سبتمبر 2025

تسجيل

الجيش اللبناني الحر

26 مايو 2012

من يراقب، في لبنان، الحراك الشعبي في قطع الطرقات وحرق الدواليب، والتصريحات السياسية والدينية خلال الأيام القليلة الماضية، يصل لقناعة أن الشعب اللبناني شعبٌ مأزوم على صعد كثيرة، وإن نبأ الصعيد الطائفي متقدم على الصعد الأخرى. ولـ"الطائفية" إيقاع موسيقي ساحر، حين يذكرها اللبناني إعجابا أو ذماً، فهي بمثابة الدينامو الذي يشعل كلّ طاقاته ويحولها لثورة غضب أو حماس. و"الطائفية" ليست عند اللبناني، نزعة غريزية بدائية في حياته الاجتماعية، وإنما فلسفة حياة، يرى الدنيا من خلالها، ويتعاطى مع شريكه في الوطن، انطلاقاً من قيمها وأحكامها. وبها يفسر كلّ تناقضات وتوافقات التاريخ. وتماشياً مع المنطق الطائفي الذي يضفي القداسة على كل سلوك قد تقوم به، يصبح المواقف السياسية حقاً لا يقبل الجدل، ولا يتحمل النقد، ولا يجوز التوقف أو التردد في تبنيه أو رفضه، ويصبح الخصم السياسي عدواً لا يمكن التهاون معه، أو القبول به. والتفاوض معه خيانة للطائفة، ولاحقاً خيانة للوطن، لأنه يفتقد الوطنية. وحتى لا نضيع في متاهة الطائفية وفلسفتها، رغبت في التركيز على منطق من منظومتها الفكرية بدأ يروج في الشارع اللبناني، وتحديداً لدى الطائفة السنية، التي يشرفني الانتماء لها. "السلاح في وجه السلاح" هو آخر ما تفتقت عنه قريحة "الطائفيين" والمنظرين. والقاعدة الآنفة الذكر، طرحها البعض داخل الساحة السنية سبيلاً للحدّ من هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية، وحماية لحقوق الطائفة من الإلغاء أو التهميش أو الانتقاص. وقد وصل الصوت ببعض علماء السنة رداً على اغتيال الشيخ أحمد عبدالواحد قبل أيام في بلدة الكويخات في عكار أن دعا إلى تشكيل "الجيش اللبناني الحر" حماية لأهل السنة من المد الشيعي على غرار "الجيش السوري الحرّ"، مع ما يحمل هذا التناغم في التسمية من تأويلات للأزمة السورية وتصويرها وكأنها حرب إلغاء بين طائفتين. فهل الحل هو حمل السلاح في وجه السلاح؟. جربنا السلاح في 7 مايو 2008، وخضنا حرباً أهلية انتهت بهزيمة نكراء لتيار المستقبل الذي خاض المعركة بناء على معادلة "السلاح لا يردعه إلا السلاح". ولم يكن بعدها أمام الجميع سوى الذهاب إلى اتفاق الدوحة 2008. يقرّ مناصرو المستقبل قبل غيرهم أن اتفاق الدوحة أعطى حزب الله وفريقه السياسي حق "الثلث المعطل" في الحكومة مما سمح بتعطيل عمل الحكومة وشلها قبل أن يتم الانقلاب عليها في الشارع تنقلب قوى 8 مارس على الحكومة فتسقطها في الشارع. فهل ما حدث، كان ليحدث، لو ذهب "المستقبل" إلى خيار غير السلاح للحصول على ما يريد يومها؟ اليوم ومع الجرح النازف في سوريا، والشعور العام لدى الشارع السني أن الطائفة مستهدفة لأنها تدعم المعارضة السورية، ينحصر صوت الاعتدال داخل الطائفة لصالح صوت التشدد والانغلاق والإلغاء. ويصبح المناداة بتأسيس "الجيش اللبناني الحرّ" بديلاً للجيش اللبناني مطلباً شعبياً، ما يستعيد ذكريات الحرب الأهلية ومشاريع التقسيم والفيدراليات في الثمانينيات. وقد بلغت الخطورة حداً أن وزير الداخلية مروان شربل في مؤتمره الصحفي الأخير قال إن البلد يتجه نحو التقسيم إذا ما استمرت الأوضاع دون علاج. لاشك عندي أن القوة لا تواجه بالقوة في بناء الأوطان، وإنما بالحوار والإصرار عليه. ويحضرني هنا ما خلص إليه الشيخ أحمد الأسير، وهو ظاهرة سلفية حديثة يلتف حوله غالبية الشارع السلفي في لبنان، فهو يرفض حمل السلاح واللجوء إليه في مواجهة طرف لبناني يحمل السلاح. ويقترح الأسير اللجوء إلى الاحتجاجات السلمية لأنها الأجدى والأكثر نفعاً للقضية التي قد يحملها المرء، وهذا أمر جُرّب، حيث نفعت الاعتصامات التي جرت في ساحة النور في طرابلس لإخراج الموقوف شادي المولوي خلال أيام قليلة من توقيفه على يد الأمن العام اللبناني الذي قال عنه إنه يحمل شفيرة تنظيم القاعدة في الوقت الذي يرى وزير الداخلية أن الإفراج عنه جاء لانتفاء التهم الموجهة إليه. فهل سننصت لصوت العقل، وننحاز إلى "الوسطية" التي يحاربها الجميع؟.