13 سبتمبر 2025
تسجيلأنا شخصيا كنت من المتخوفين أن يقدم نتنياهو وأوباما خطابات في هذه الفترة تغري السلطة الفلسطينية بإطلاق عملية مفاوضات جديدة تكون ضارة وضرة للمصالحة الوطنية الجارية بين فتح وحماس، وكنت متخوفا أيضا أن يبلغا في لغة الإنشاء الأخلاقي ولغة الخداع السياسي ومغازلة الثورات العربية حدا لا تقوى عاطفتنا على مدافعته فيفرغها من المضمون السياسي ومن امتداداتها في القضية الفلسطينية كمكون أساسي لهذه الثورات.. ما حدث هو أن الخطيبين جاءا على وجه آخر تماما؛ وكأنهما أرادا أن يفشلا في كل ذلك.. السؤال هنا: هل كانا معنيين بتجسير الفجوة التي تتسع كل يوم بين الشعوب العربية وبين الغرب، ثم بين الثورات العربية وعملية ومفاهيم التسوية؟ وبتعبير آخر: هل أوباما ونتنياهو هما بالفعل من القوة السياسية والمواقفية بحيث لا يأبهان بمردود خطابيهما المستفزيْن على الشعوب العربية وعلى الفلسطينيين وعلى عملية التسوية؟ وأقول: الخطيبان وما قالاه لا يمكن فصله عن خمسة استحقاقات ماثلة في هذه الفترة أمام ناظري كل سياسي وتلقاء كل تحرك؛ الاستحقاقات الخمسة هي: 1- الثورات العربية وما يفترض أن تتمخض عنه تجاه القضية الفلسطينية ابتداء وعلاقة وأثر ذلك على إستراتيجية اللاحرب واللاسلم مع العدو، وإستراتيجية توسيع دائرة الاندماج والتطبيع في المنطقة، 2- استباق دورة الأمم المتحدة في سبتمبر القادم والتي من المتوقع أن تكون القضية الفلسطينية على أجندتها.. المقصود منع الفلسطينيين من التقدم بطلب الاعتراف بدولة لهم على حدود الـ67 وهو الأمر الذي لو تم فسيكون مكسبا تاريخيا وسيكون له واقعه على أية مفاوضات وأية تغييرات ديموغرافية أو جغرافية أو حقوقية قادمة، 3- المصالحة الفلسطينية وما يفترض أن يترتب عليها من تغيير في المعادلات الفلسطينية ومن تسويغ صورة حماس وتشريع وجودها واستفادتها من علاقات حركة فتح إقليميا وعربيا ودوليا.. 4- ما بات يعانيه الرأي العام الصهيوني من قلق بسبب احتمالات العزلة السياسية وانغلاق سياسي وتعطل عملية التسوية وتحميل " إسرائيل " عالميا ومحليا وحتى صهيونيا المسؤولية عن ذلك، وقلق أيضا من التطور النووي الإيراني ومن التغييرات العربية بالأخص بعد سقوط نظام حسني مبارك الذي كان حليفهم (أو كنزهم الإستراتيجي) كما يصفونه.. وغير ذلك من أزمات يواجهها الكيان الصهيوني تفقده زمام المبادرة والقدرة على المناورة.. كل هذا كان يقتضي أن توجه رسالة إلى الشعب الصهيوني تطمئنه وتؤمله 5- الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتحضيرات أوباما لها والانتخابات الصهيونية التي ستأتي متزامنة معها تقريبا وتحضيرات نتنياهو لها، ولكل من أوباما ونتنياهو قراءته في كيفية الوصول إلى ذلك وعبر أي ممر ينبغي أن يسلك إليه.. أما ما جاء على لسان الخطيبين ومهما اتكأ على لغة إنشائية ونفاق أخلاقي أو بدا كأنه عرض جديد فهو لم يحل إشكالا واحدا مما يؤزم الكيان ؛ فلم يقدم شيئا عمليا واحدا على صعيد التعامل مع الثورات العربية واحتوائها، ولم يقدم للسلطة الفلسطينية ما يغريها بنفض يدها من المصالحة مع حماس أو بتعطيل مساعيها تجاه الأمم المتحدة وتدويل القضية.. ولا يستطيع أوباما الثقة بأنه استطاع اختراق الرأي العام الصهيوني لترقية فرصه للفوز بأصوات اللوبي اليهودي ودعمه المالي مهما تقطع في تبني الأجندة الصهيونية وبالأخص عندما يكون خصمه أو منافسه في تلك الانتخابات أكثر قربا من الكيان وأقل معاندة له.. يبدو أن أوباما فاته الكثير في معرفة اللوبي الصهيوني وأدواته في تطويع الرؤساء دون تطمينهم.. ربما الشيء الوحيد الذي حققه الخطيبان هو إقناع الرأي العام الصهيوني الذي لا يبحر إلا في الدماء والاعتداء بأن أمريكا ستبقى في قعر التحيز الفج للعنصرية الصهيونية وستبقى تقدم مصالح هذا الكيان على ذاتها ومصالحها وكل علاقاتها، أما نتنياهو فإن نجح في شيء فهو الحديث مع نفسه وأمثاله من المتطرفين والخرافيين الصهاينة، والتدليل على أنه موغل ومغال في تبني الأساطير المؤسسة للعقيدة اليهودية ولمقولاتها وأكاذيبها منذ ثلاثة آلاف سنة.. هذا المستوى من الطرح اللاحقوقي واللا أخلاقي الذي ورد على لسان الرئيسين أو الخطيبين يحتم علينا - نحن العرب والفلسطينيين – أمورا لا يجوز تأخيرها أو التردد في تبنيها ؛ أولا: أن نصعد بالقضية الفلسطينية إلى مستوى الثورات العربية كمستجد تجب المراهنة عليه ويجب أن يكون رافعة للقضية ولإمكانات التحرك بها، وأن نصعد بها أيضا إلى مستوى الأمم المتحدة ومقتضى إخراج القضية من ثنائية المفاوضات أو اللاشيء وإخراج الحقوق الفلسطينية من أن تبقى رهنا بقبول أو عدم قبول أمريكا وحكام الدولة العبرية بها.. ثانيا: تأكيد المصالحة الفلسطينية وتوطيدها بالممارسات على أرض الواقع ؛ فمن جهة فتح عليها أن تنخرط فورا في مستوجبات هذه المصالحة من إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وحتى من تسميهم الأمنيين والاتفاق فورا على آلية تحرك سياسي وميداني بين الفصيلين الأكبر على الساحة.. ومن جهة حماس أن تبلور جملة من المعطيات والمواقف واللغة الخطابية التي تمكن السلطة من ممارسة المزيد من الإحراج لنتنياهو وطروحاته على شاكلة ما ورد على لسان السيد خالد مشعل يوم توقيع المصالحة.. ذلك يقتضي المزيد من التفاهم الداخلي في داخل كل من فتح وحماس ورسم محددات وخطوط المسموح والممنوع من الخطاب السياسي.. والأمر في غاية الجدية والطروئية التي لا تحتمل التأخير، ثالثا: إطلاق موقف صريح وحاسم وحازم بقدر صراحة وحسم وحزم موقف أوباما – نتنياهو لتأكيد الثوابت الفلسطينية التي أنكراها أو تجاهلاها أو وضعاها موضع مساومة، رابعا: إبقاء نتنياهو في مأزق أنه المسؤول عن تعطيل عملية التسوية وأنه يفتقد روح المبادرة وهوامش المناورة والإمكانات المهنية وأن إبداعه فقط في الجانب الكلامي الخطابي، وهو كذلك بالفعل في نظر كثيرين داخل الكيان وخارجه.. المطلوب هنا تحديدا ألا يقدم الفلسطينيون والعرب طوق نجاة مجانا له بإطلاق مفاوضات على غير أساس، وأن يتذكروا أن اللغة الإنشائية التوددية التي كان تكلم بها في خطابه كانت موجهة للكونجرس ولشعب " إسرائيل " وليس لهم.. نعم لا يجوز إطلاق المفاوضات لمجرد المفاوضات ولا على ذات الأسس والمعايير السابقة ولكن إن حدث فلا بد أن يكون وفق معطيات جديدة وضوابط ومرجعيات وسقوف جديدة أيضا.. وعلى ألا تكون على حساب المقاومة كما حدث دائما، خامسا: لا يجوز اعتبار إطلاق مواقف حاسمة وصريحة نهاية المطاف أو أنه الانتصار الأكبر، ولا يجوز انتظار ردات الفعل من العدو الصهيوني أو من أمريكا بنفسية وعقلية المخطئ الهارب أو المذنب الخائف، كما لا يجوز استعجال الخروج من المعركة السياسية والدبلوماسية وانتظار انهيار مفاجئ وسريع لمواقف هذين الحليفين ؛ ولكن المطلوب هو اتباع التصعيد بتصعيد وإلحاق الموقف القولي بموقف عملي.. هذا أمر مفهوم في عالم المفاوضات والعمل السياسي ولن يستنكر أحد على الفلسطينيين والعرب – حتى بمنطق عملية التسوية – أن يكون لهم موقف ومساع مخالفة لما عليه الخصوم.. وخارج ما يتوقع الخصوم. آخر القول: أوباما قال ونتنياهو أيضا قال.. ولم ينجحا إلا في تثبيت الصورة الذهنية عن عنصرية الكيان الصهيوني الموغل في الأوهام والأساطير ولغة الماضي الحجرية والخشبية، نجحا أيضا في تأكيد انحياز أمريكا إلى الظلم والعدوان وتبديد أي أمل في إطلاق عملية تسوية مقنعة، وفي وضع نفسيهما في جهة وفي مسلك مناقض لمستجدات وطموحات الفلسطينيين والعرب أكثر من أي وقت مضى.. فإذا كان هذان قد تكلما؛ فمتى سنتكلم نحن؟ وإن تكلمنا فماذا سنقول؟