15 سبتمبر 2025

تسجيل

الشعب اللبناني الحاضر الغائب في انتخابات الرئاسة

26 أبريل 2014

لا مفاجآت في الجولة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، الأمر كان متوقعا عند النخب والشعب اللبناني على السواء.. ورغم تأكيد حزب الله، الحزب الأكثر قوة وحضورا وسيطرة على الحياة السياسية، أن الوقت مواتٍ لانتخاب رئيس صنع في لبنان.. وهو ما ترجمته رغبة البطريرك الماروني رئيس الكنيسة المارونية المعني الأول بموقع رئاسة الجمهورية بشكل مختلف، فجميعهم يعلم أن رئيسا صنع في لبنان لم يتم في أي انتخابات رئاسية حصلت أو ستحصل في المستقبل المنظور، فلبنان منذ نشأته ولد مخطوفا من طوائف داخلية أو دول إقليمية نافذة وإن تبدلت أسماء هذه الدول وموازينها داخله. وتكاد لا تسمع عن دولة في الجوار اللبناني أو المحيط الشرق - الأوسطي، فضلا عن بلاد ما وراء النهر أو أعالي البحار إلا وكان لها دور ونفوذ في لبنان في مرحلة من تاريخه المليء بالضجيج.. لبنان صنع لغير أهله، نقولها للأسف! الخاسر الوحيد في المطبخ السياسي اللبناني هو الشعب اللبناني نفسه، والديمقراطية الممارسة في لبنان لا تشبهها أي من فلسفات ونظريات الديمقراطية المعمول بها في العالم.. لا هو بلد ديمقراطي ولا هو بلد دكتاتوري، لا هو نظام رئاسي ولا هو برلماني، لا هو محكوم من نخبه السياسية ولا هو مصنوع تماما من الخارج.. والشعب اللبناني أو الناخب أو المواطن، أيا ما يحلو لك تسميته هو دائما الحاضر في المعادلة السياسية الغائب عن فعل أي شيء، فحضوره ونفوذه ودوره لا يتعدى منح الشرعية للزواج أو مباركة فستان العروس عند كل زواج يتجدد مع دورة انتخابية جديدة، برلمانية كانت أم رئاسية.الحفلة اليوم هي انتخاب رئيس للجمهورية، بعد أن يئس البعض من تكرار سيناريو التمديد للرئيس الحالي كما درجت العادة مع الرئيسين السابقين. لكن بدعة سياسية ما زالت حظوظها قائمة وهي إمكانية انتخاب رئيس من المدرسة العسكرية، فقد رُوّج خلال العقد الأخير لرئيس قوي يأتي من المؤسسة العسكرية، لأنها المؤسسة الوحيدة غير المنقسمة على نفسها، والمؤسسة الأكثر وطنية بين مؤسسات الدولة كما هو الانطباع دون التصريح به لخشية العواقب المترتبة عليه..اللاعبون في انتخاب الرئاسة وإن كانوا من الخارج إلا أن للداخل دورا لا بأس به.. فهو يعتبر موسم المساومات، يستبشر به السياسيون اللبنانيون تماما كما يستبشر الفلاح بنضج ثماره ودخول موسم القطاف، وكلما كانت الغلال كبيرة كلما كان الربح وفيرا.. الأمر نفسه في موسم المقايضات السياسية، يحكى عن دولة إقليمية فاعلة خصصت خمسين مليون دولار لشراء ذمم نواب في البزار الرئاسي، طبعا الخبر تسربه صحيفة معادية للدولة المذكورة، والأمر نفسه ينطبق على دول إقليمية أخرى لا تقل ثراء ونفوذا عن خصيمتها الإقليمية.. وبما أن البزار لا ينقضي في جلسة واحدة كان على رؤساء الكتل إلقاء ما بأيديهم من أوراق.تيار المستقبل يصوت لسمير جعجع بأقل من خمسين صوتا تقريبا لأنه مرشح قوى 14 آذار وهو يعلم تماما أن جعجع لن يصبح رئيسا أبداً في هذه الظروف، فالفيتو عليه من دول نافذة ما زال قائما.. حزب الله الند الطائفي والسياسي لتيار المستقبل يصوت بورقة بيضاء، لأنه لا يريد حرق مرشحه ميشال عون، لأن الحزب يريد رئيسا حاضنا للمقاومة كما سوّق لذلك رئيس كتلته في البرلمان محمد رعد، والأمر مفهوم تماما والمراد منه واضح تماما ولا يحتاج إلى ذكاء نادر لإدراكه.أما وليد جنبلاط الرجل الأكثر دهاء في لبنان إلى جانب نبيه بري رئيس مجلس النواب طبعا فهو لا يرمي بورقة بيضاء، إذ لا يسمح حجم طائفته ولا عدد نوابه أن يصعّد رئيسا لكرسي الرئاسة، هو يدرك تماما حدود الملعب المسموح له التحرك به، لكنه مساوم بارع، وبائع ماهر.. فإذا ما انطلقت صافرة المزاد يعرف كيف يحصد ربحاً أكثر قيمة مما يملك من أوراق.وبما أن الصراع الإيراني السعودي على أوجه اليوم، فهو يعلم أن أوراقه ستزداد قيمة مع زيادة الطلب من هذا الفريق أو ذاك على ما في يديه من أوراق. وينضم لجنبلاط كلُّ من يرى نفسه خارج الاصطفاف الإيراني السعودي أو من المتضررين من حصص حزب الله والمستقبل من دواخل طوائفهم، فلا يجدون غير جنبلاط يلتحمون معه تحت يافطة "الكتلة الوسطية" وهي تشبه كلّ شيء إلا الوسطية بالمفهوم الذي يتعارفه الناس ويألفونه. والحقيقة التي لا تغيب عن أحد في لبنان أو خارجه أن الرئيس يصنع في الخارج دائماً، وما يراه المواطن اليوم ليس إلا مشهداً من فصول إرادته المسروقة وانعدام خياراته في مجلس نواب جدّد لنفسه، وهو اليوم، وباسم الشعب الذي انتخبه قبل انتهاء صلاحياته، كومبارس في المسرحية التي ألفت خارجا وإن جرت على المسرح اللبناني.