19 سبتمبر 2025

تسجيل

السودان.. قضية الأقطان واختبار الحريات

26 أبريل 2014

عاصفة عاتية تضرب الجهاز العدلي في السودان على خلفية قضية شهيرة عرفت بقضية الأقطان.. الشركة السودانية للأقطان من كبرى الشركات العامة في البلاد، وتأتي أهمية الشركة من كونها معنية بأهم سلعة صادر لوقت كبير.. فالسودان قبل ظهور النفط كان القطن الذي يسمى بالذهب الأبيض لأنه كان عصب صادرات البلاد والمورد الرئيسي للعملات الصعبة.. والقطن بتلك الخاصية محصول إستراتيجي، زراعي، له ارتباطات متعددة ذات جدوى اقتصادية وتجارية واجتماعية وأمنية عالية، فهو يحرك صناعات النسيج التي أصبحت في حالة موت سريري وتشرد جراء ذلك عشرات الآلاف من العمالة الماهرة.. آخر تداعيات قضية الفساد المالي بالشركة العملاقة التي تنظر فيها محكمة جنائية في العاصمة الخرطوم إطاحة مدوية برئيسي القضاء والمحكمة الدستورية في البلاد.. وزير العدل هرع للبرلمان متبرئًا وموضحا في بيان له ملابسات القضية من وجهة نظر حكومية وطعن في قانونية هيئة التحكيم، أمام نواب البرلمان، قائلا إن مبالغ التحكيم والأتعاب تم تحديدها من طرف واحد في غياب الطرف الآخر في القضية واتهم الوزير جهات - لم يكشفها أيضاً - بمحاولة التأثير والضغط على وزارته منذ بدء التحري في قضية الأقطان، لتسويتها وسحب الملف من المحكمة، واللجوء إلى خيار التحكيم عوضاً عن المحاكمة الجنائية. بيد أن هجوما عنيفا تعرض له الوزير من وزير عدل سابق وأحد أعضاء لجنة التحكيم في القضية محل الخلاف بين شركة الأقطان وشركة أخرى من شركات القطاع الخاص اسمها متكوت. وضمت لجنة التحكيم كذلك إلى جانب الوزير السابق رئيس المحكمة الدستورية ووكيل وزارة العدل السابق. فإن جاز للآخرين قبول عضوية لجنة التحكيم مقابل أجر مُغرٍ فلا يجوز البتة لرئيس المحكمة الدستورية قبول ذلك وهذا ما عجل بالإطاحة به.. يشار إلى أن نصيب كل واحد منهم بلغ مليون جنيه سوداني.. بيان وزير العدل جعل البرلمان يرفض قرارات التحكيم، لكنه يظل رفضا لا يرتكز إلى قانون إلا أنه في كل الأحوال رفض له بعد سياسي وأخلاقي يحرج كثيرا أعضاء هيئة التحكيم.آخر الأرقام المخيفة تدني المساحة المزروعة قطنا هذا العام إلى حوالي مائتي ألف فدان، بينما كان المخطط في العام 2012 مليونا ومائتي ألف فدان.. في الخلفيات أنه تم التعاقد على استجلاب عشرة محالج من شركة "بالكان" التركية لصالح شركة الأقطان بمبلغ (55) مليون دولار من بنك التنمية الإسلامي بجدة وبضمان وزارة المالية السودانية وبتمويل محلي حوالي (27) مليون دولار للتركيب والإنشاءات وما يتصل بها.. وشركة متكوت للتجارة العالمية وكيل لشركة بالكان التي قامت شركة الأقطان بتوكيل شركة متكوت لإنجاز العمل.حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، تحرك بشكل خجول على غير عادته عقب اتفاقه غير المرئي مع الحزب الحاكم، فقد كان يعد من أشرس المعارضين لحكومة الرئيس عمر البشير.. حزب الترابي قال إن ملف قضية شركة الأقطان السودانية، هي رأس جبل الجليد في الفساد الذي عم البلاد.. وطالب الحزب المروّض وزير العدل بالشفافية وقال قيادي بالحزب: (كنا نتمنى أن يكون وزير العدل أكثر شفافية ويتحدث بصراحة عن الجهات التي مارست عليه نوعا من الضغوط)، مطالبا بتمكين القضاء للقيام بدوره في تحقيق العدالة.رغم فداحة القضية وتداعياتها إلا أن المتفائلين ينظرون إليها من جانب آخر باعتبارها خطوة جدية لمحاربة الفساد وإرساء مبدأ الشفافية.. هؤلاء المتفائلون بنوا تفاؤلهم على أن تداعيات القضية تزامنت مع قرارات الرئيس البشير الخاصة بتنظيم النشاط السياسي وإطلاق القيود التي كانت تكبل النشاط السياسي للأحزاب، ورفع الرقابة الأمنية على وسائل الإعلام الحكومية والخاصة.. وكانت المعارضة قد شككت في صدقية حكومة البشير في الثبات على الخطوة وعدّتها محاولة من محاولات كسب وشراء الوقت لتتجاوز الضغوط الخارجية والداخلية المتكاثرة عليها دون أن يكون هناك استعداد حقيقي لإحداث انفراج سياسي.. المتفائلون أشاروا إلى أن الصحافة لعبت دورا بارزا في كشف القضية دون أن تتعرض لملاحقات أمنية تحد من دورها، حتى أن التلفزيون الحكومي أجرى اتصالات هاتفية بقادة المعارضة المسلحة التي كان يحرم على الإعلام الخاص نشر أخبارها والتواصل معها وتلك خطوة مهمة جداً في نظر المتفائلين.. المتشائمون يقولون إن القوانين التي تبرر لجهاز الأمن فرض الرقابة على الصحف ومصادرتها لا تزال ماثلة.. ونقول للمتفائلين والمتشائمين إن الوقت كفيل بإثبات صدقية الحكومة في توجهها الجديد الذي أضحى السبيل الوحيد والترياق الناجع لأزمات البلاد التي تطاول أمدها.