15 سبتمبر 2025

تسجيل

رسالة مفتوحة لمفتي مصر.. حول زيارته للقدس!!

26 أبريل 2012

أن تحبوا مدينة القدس وأن تزوروها فهذا يا سيدي من حقكم وهو ضمن حريتكم، وليس لأحد حق توصيفه فضلا عن نقده أو رفضه.. على العكس من ذلك فحب القدس من مقتضيات الإيمان بالله ومن لوازم الوطنية ومن مستوجبات الرجولة والاستقامة.. ولكننا مع ذلك نرفض زيارتكم للقدس التي قمتم بها يوم الأربعاء الماضي 18 / 4 ونرفض ما تبعها من تبريرات لا تقف – في نظري – على رجلين سائغتين صحيحتين.. وأراها أبعد ما تكون عن المنطق العقلي وعن القيم الدينية، إن زيارتكم يا سيدي مجرد انحياز لموقف قلة سلطوية ولأشخاص بعينهم ليس لهم في العلم الشرعي إلا مناكفة العلماء.. وتلك لمن تعمدها عن بصيرة وقصد غاية المفسدة في الدين والخزي في الدنيا.. لقد كاد الشعب المصري الطيب الودود ينسى فتواكم التي حرمتم فيها الخروج في مظاهرات الثورة بالثلاث وقلتم عنها (حرام حرام حرام) وكاد أن ينسى مدائحكم لحسني الساقط وخلعكم عليه أوصاف الفروسية والنبل وربوبية الأسرة المصرية.. وكاد أن ينسى ما تعهدتم به لعلاء مبارك وأسرة مبارك (...) بالجنة ضمانة ناجزة ذكرتنا بصكوك الغفران التي كانت تبيعها كنائس العصور الوسطى.. وخلافا لمذهب أهل السنة والجماعة القائل " ولا ندخل أحدا جنة ولا نارا، ونرجو للمؤمن الجنة ونخاف على الكافر النار " كما جاء في الطحاوية.. سيدي لم يقنعني قولكم إنكم تفاجأتم بالدعوة للزيارة، فهي تأتي في سياق دعوات متوالية من وزير أوقاف السلطة الذي يتكلم في الأمر ليل نهار ويعتبره معركته الشخصية ضد القرضاوي وضد المقاومة، وسبقكم إليها الحبيب الجفري الذي لم تجف أحبار اتهامه وذمه.. ثم إن في دعوى المفاجأة هذه إشارة لغفلة تقلل من تنسب له؛ فكيف بأن ينسبها عالم مثلك وفي مقامك لنفسه؟! إن في اعتذاركم بالمفاجأة إساءة لكم واعتراف بفقدان القدرة العقلية والعلمية والدينية والأخلاقية والوطنية على اجتراح تخلص يناسب ثوب الفتوى الذي تلبسونه فضيلتكم.. سيدي وليس وجيها أبداً ادعاؤكم بأن الزيارة كانت محض شخصية، وقد جاء كلامكم متناقضا بائسا عندما قلتم بعد ذلك " دعونا من الشخصنة".. أليس في ذلك اعتراف وإقرار بأن الزيارة لا تمت للدين ولا للفتوى ولا للعلم بصلة؟ وإلا فلماذا تفعل بعد خلع ثوب الفتوى الذي لولا أنه لا يناسبها ولا تناسبه لما خلعتموه؟ فهل نتوقع أنكم ستخلعونه مرات أخرى؟ أرجو أن تحذروا يا فضيلة المفتي من أنكم تسوقون صورة جديدة لعلمانية جديدة تتجاوز المكونات الفكرية في المجتمع – كما هي العلمانية المعروفة - إلى علمانية تفصل بين المكونات القيمية داخل كل نفس وكل موقف وكل خطيئة.. ولا أظن أنه يخفى عليكم أن أبجديات المنطق الديني والإفتائي تقضي ألا يخالف فعل المرء ما يدعي وما يدعو إليه من منظومة القيم الدينية.. والله تعالى يقول: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) الصف 3.. وفي المتفق عليه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يرويه زيد بن حارثة رضي الله عنه: قال " يؤتى بالرجل يوم القيامة فليقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدورُ الحمارُ في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ؛ مالك؟ ألم تك تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ". وأسألكم بلغة العلم الشرعي الذي أهّلكم للموقع الذي تتبوأونه: أليس الحكم على الشيء فرعا عن تصوره؟ فهل تصورتم ما تعنيه زيارة القدس بهذه الكيفية، ومداها؟ وهل سألتم أنفسكم لماذا تنشط الدعوات لزيارة القدس في هذا الوقت بالذات في ظل الثورات العربية وانتصاراتها في مصر وتونس وليبيا؟ ولماذا بقايا معسكر التسوية فقط ومن بين جماهير الأمة ومجاهديها هم الذين يحاولون التمهيد وشحذ الهمم لها وشحنها بالرموز؟ وهل سألتم أنفسكم لماذا يعارضها علماء واتحادات وهيئات الفتوى في العالم الإسلامي ؛ وبالأخص في فلسطين الذين هم الأدرى بمعنى الزيارة ومراميها البعيدة؟ لقد آن لكم " وربما فات الأوان " أن تفهموا أن بقايا هذا المعسكر إنما يمتطون بعض العلماء ممن حملتهم الغيرة من أقرانهم على المخالفة، وممن حجبت عنهم الأضواء فجرأهم الغضب على المغامرة.. يمتطونهم لحماية " التطبيع " الذي هو جزء من منظومتهم الفكرية وشرعيتهم الدولية.. يريدون حمايته في وجه الثورات العربية قبل أن يتغير كل شيء.. من خلال تعميق العلاقة مع الاحتلال وتوسيع أوجه وأشكال هذا التطبيع حتى إذا استقرت النظم الثورية كان أعمق أثرا وأكثر وجوها وأكبر تحديا وصار التراجع عنه أصعب والدخول في تصعيدات ومواجهات ضده أعسر.. القضية يا فضيلة المفتي أكبر من شخصكم الكريم وهي كما قال وزير أوقاف السلطة لرويترز في معرض دفاعه عنكم وعن زيارتكم " الأيام القادمة ستشهد زيارة وفود إسلامية إلى المسجد الأقصى " وأضاف: " خلال أيام قليلة سيكون لدينا ليس شخص واحد وإنما وفود.. وأنا صباح هذا اليوم تلقيت تأكيدا من أحد أبرز الشخصيات الدينية في العالم الإسلامي برغبته الأكيدة أن يأتي إلى القدس على رأس وفد إسلامي.. " " سعادة " المفتي ؛ وأما قولكم إنكم لم تروا جنودا صهاينة في زيارتكم.. فهذه مضحكة مبكية وأعيذكم بالله من حشو الكلام الفارط الذي لا يعني شيئا ؛ فهل تريدون ادعاء العمى – عافاكم الله – لتنطبق عليكم آية الإعذار (ليس على الأعمى حرج)؟ وأعينكم فيما أظن صالحة ناظرة حتى لو أخفيتموها بالنظارات السوداء.. أم تريدون نفي وجود الاحتلال (ويا دار ما دخلك شر)؟ أم تريدون تبرئة العدو من انتهاك حرمات وساحات المسجد الأقصى؟ أم هو استبطان تهمة تحاولون نفيها؟ ثم هل نصدقكم أم نصدق من هو أعلم بالقدس وبحالها منكم مفتيها وخطيب مسجدها المحروم من دخولها " الشيخ عكرمة صبري " الذي قال " إن المفتي كذب على الشعب المصري والمسلمين بكلامه إنه لم يرَ جنديا إسرائيليا داخل ساحة الأقصى، وإن الجنود الصهاينة هم الذين أمنوا المفتي أثناء زيارته للأقصى "؟ كنت أتمنى عليك فضيلة المفتي أن تفعل ما أنت مقتنع به فقط، وألا يخالف قولك فعلك، وألا تلجأ لكل هذه اللغة الذرائعية المتلجلجة، وألا تخلع ثوب الفتوى الذي ألبسكه الله تعالى لأي سبب ؛ لا من أجل زيارة شخصية ولا من أجل زيارة اعتبارية، ولا حتى من أجل تحرير القدس ذاتها، فالأمة وفلسطين والقدس أغنياء كل الغنى عما لا يأتي إلا بالتعري من الفتوى والدين.. آخر القول: فضيلة المفتي.. لست أطلب إلا ما يليق بإمامتكم ومكانتكم إن طلبت أن تعتذروا للشعب المصري الذي ساءته وأساءت لجهاده هذه الزيارة.. وعبر عن ذلك عبر قرار إدانتها في مجلس الشعب، وقرار اتحاد الكتاب المصريين ومواقف قادة الأحزاب والكتل والمفكرين ورموز الكنيسة.. وأن تعتذروا للشعب الفلسطيني الذي كان ينتظر منكم كالذي ينتظره من كل الأمة أن تناصروه وأن تثبتوا على ثوابته.. أسأل الله أن تكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) ولا تكونوا ممن قال فيهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ). وسلمتم سيدي.