19 سبتمبر 2025
تسجيل"هو إنسان عاقل وحرّ في تصرفاته" هكذا يكون الجواب عن كثير من التساؤلات حيال التصرفات الغريبة، لكن هل يمكن أن نقول هذا عن الأشخاص غير الملتزمين بالإجراءات الخاصة بفيروس كورونا؟ بالتأكيد لن نقولها، فعواقب ذلك لن يعاني منها ذلك الإنسان "العاقل"، بل ستكون كارثة على الجميع!. في المجال النفسي يبحث علم الأوبئة العاطفي Emotional Epidemiology أسباب قيام بعض الأشخاص بتصرفات غير مسؤولة في أوقات انتشار الوباء، مثل قيام البعض بالإصرار على الخروج من المنزل، سواء كانوا اشخاصاً عاديين أم كانوا من الأشخاص الذين تم إلزامهم بالحجر الصحي. تختلف تفسيرات الناس لهذا النوع من الأشخاص لكن كثيراً منهم سيختارون موقفًا انفعالياً في الغالب، ويؤيدون الإجراءات الصادرة تجاههم، والكثير لن يلومهم على ذلك فالموضوع ليس بالسهل!. لكن السؤال لماذا هذا الانفعال من هؤلاء؟ ولماذا اللامبالاة من أولئك؟ أنا أرى أن الأزمة الحالية هي أزمة خوف ايضاً، وأن التحرر من كثير من المخاوف قد يحل الكثير من آثار الأزمة النفسية، وخصوصًا ما يتعلق بتعلم ممارسة الحذر والتفريق بينه وبين الدخول في دوامات الوهم والمبالغة والتي بدورها تسبب الكثير من المخاوف، ولذلك قلت في أول مقالة في بداية انتشار الفيروس أن الهلع من كورونا هو أكثر خطورة من كورونا نفسه. ونحن عندما نتحدث عن الخوف ونتحدث عن طبيعة انفعال الأشخاص الخائفين فهم غالبًا ما يفترضون حدوث الأسوأ من الآخرين ويتصرفون بشكل غير عقلاني تجاه المواقف فتتعدد بذلك تفسيراتهم حول الأشخاص اللامبالين فمرة يقال إن لديهم حالة نفسية ومرة يقال إنهم يتحدون القانون وتفسيرات أخرى كثيرة. يشرح علم الأوبئة العاطفي الدوافع النفسية وراء ذلك السلوك، ويرجعون اسباب ذلك إلى ما يسمى: بعدوى السلوك. تؤكد عدوى السلوك أن السلوك يسبب العدوى كما تحصل العدوى في الأمراض، فكما يمكن أن يتسبب مريض الكورونا بالعدوى لعدة أشخاص، فكذلك قد يتسبب شخص واحد يرفض التباعد الاجتماعي قد يؤثر على اثنين أو ثلاثة آخرين فيفعلون الأمر نفسه. لكن الأمر هذا يبشر بالخير من ناحية أخرى، فعدوى السلوك تجعل الأشخاص أيضاً يلتزمون بالتعليمات الخاصة بالتعامل مع فيروس كورونا، لأنهم يرون التزام أشخاص آخرين بتلك التعليمات. ومن ناحية أخرى فهناك سمات عامة في هؤلاء الأشخاص مثل أنهم يقومون بمخالفة التعليمات لأنهم يعانون من الحيرة والارتباك، وهذا الأمر يجعلهم في حالة من الضعف في التركيز، فلا هم يلتزمون بالتعليمات ولاهم مقتنعون بمخالفتهم، وكما يقال من اختار الجلوس بين مقعدين سقط بينهما في النهاية. ومن سماتهم أيضًا أنهم لا يثقون بتعليمات المسؤولين لانطباعات خاطئة في تفكيرهم، فيظنون بأن كل ما يصدر من تعليمات فهو ليس لأجل مصلحة المجتمع وإنما لمصلحة طرف دون الآخر، فيمارسون أحد أخطر أخطاء التفكير وهو ما يسمى بخطأ التعميم. وأعتقد ان الظروف الحالية توجب أن نكون قادرين على الاختيار، نختار مثلاً ألا نصافح، ولا نخضع للحرج الاجتماعي، ولو سار الإنسان على هذا النهج لتجاوز حواجز اجتماعية ونفسية كثيرة وحقّق أهدافه وطموحاته، واختار السلوك المناسب بعيداً عن التأثر بسلوكيات ليست إيجابية. * اختصاصي علم النفس @mohalanazi