18 ديسمبر 2025

تسجيل

كورونا وقد كشف العالم !

26 مارس 2020

لا يمكنك الحديث عن أي موضوع خارج نطاق جائحة كورونا حالياً، لأنك إن فعلت فلا أحد يقرأ لك أو إن تحدثت فلا تجد من يسمع لك. صارت جائحة كورونا اليوم، كما أسلفنا من ذي قبل، حديث العالم كله، بحكوماته وبرلماناته ومؤسساته بالإضافة طبعاً إلى شعوبه الثمانية مليارات نفس.. فلم تعد هناك قارة إلا ووصلها الفيروس بصورة وأخرى، فلا فرق بين القارات اليوم سوى في نسب الإصابات وكيفيات التعامل مع هذه الجائحة. في البداية ظن الجميع أن كورونا ما هو إلا ضمن أمراض الشتاء الموسمية، أو عدوى تنتشر في مدينة ما وتنتهي، لكنه تعاظم حتى قالوا إنه وباء، وتعاظم أكثر فأكثر حتى شمل العالم كله، حتى لم يعد بالإمكان أمام المنظمة الدولية للصحة إلا أن تصفه بالجائحة. ولكن قبل أن استرسل أكثر، دعوني أوجز الفرق بين العدوى والوباء والجائحة، كما جاء عن منظمة الصحة الدولية، ليتبين لنا الوضع ونحن نتحدث عن هذا الفيروس وما يفعله بالبشرية قاطبة. أما العدوى فإنها تقتصر على مجتمع أو منطقة جغرافية معينة، حيث المرض ينتقل من الإنسان للإنسان بطرق ووسائل عديدة ومثاله الإنفلونزا الموسمية، ومعدل أعداد المصابين معروف والتشافي منه ممكن بسبب توفر الأدوية والأمصال اللازمة. لكن ما إن يبدأ المرض ينتشر فجأة ويتجاوز معدل الإصابة الطبيعية المتوقعة لدى سكان تلك المنطقة الجغرافية، ويبدأ ينتشر إلى مناطق أوسع أو بلدان مجاورة وفي فترة زمنية قصيرة، فإن هذه العدوى تتحول إلى وباء، ومثاله فيروس سارس. وإن صار وانتقل الفيروس من بلد إلى آخر ويظل يتوسع وينتشر ليغطي أجزاء واسعة من العالم وبشكل سريع، مع تسجيل إصابات عديدة متسارعة ووفيات وحدوث انهيارات للمنظومة الصحية في الدول، فذلك المشهد يسمى جائحة، وتكون الحيوانات – أعزكم الله – مصدر المرض، وأبرز الأمثلة انفلونزا الخنازير الذي ظهر في 2009، والجائحة الحالية التي يعيشها ويتصارع معها العالم، فيروس كورونا أو كوفيد19. ◄ كورونا وسياسات الدول ربما لاحظنا جميعاً خلال الأسابيع الفائتة كيف أن هذا الفيروس الحقير أجبر أعظم القوى والدول في هذا الوقت، ودفعتها دفعاً إلى تغيير سياساتها وخططها، بل إنه أحدث فوضى فيها وكشف في الوقت ذاته دولاً أخرى كثيرة وأظهرها على حقيقتها أو قدراتها، سواء السياسية أم الاقتصادية أم الصحية أم الأمنية أم غيرها من مجالات والتي ستظهر تباعاً كلما طال الأمد بهذا الفيروس وهو ينتشر وتتسع مناطق انتشاره دون أن يتصدى له البشر بالعلاج الحاسم أو على أقل تقدير، يتم حجزه واضعافه وقطع سلسلته. دول الاتحاد الأوروبي التي كانت مضرباً للمثل في التعاون والتشارك في غالب الميادين، ظهر اتحاده مفككاً، وصار الدول فيه تعمل منفردة وكأنما تقول كل دولة لأختها، نفسي نفسي، بعد أن صار الفيروس يفتك بدول الاتحاد بشكل واضح دون بقية العالم إلى ساعة الناس هذه. ولعل أبرز أعضاء الاتحاد وهي إيطاليا، قاربت أن تتجاوز الصين في عدد الإصابات، بعد أن تجاوزتها في عدد الوفيات. وفي التقارير الإخبارية أن نظامها الصحي انهار ولم يعد يتحمل الوضع. إنها فعلياً تعيش كارثة حقيقية. وتقترب من الحالة نفسها كل من إسبانيا وألمانيا وفرنسا، وفي الطريق بشكل متسارع كذلك، سويسرا وبريطانيا وهولندا. كل الدول الأوروبية أغلقت على نفسها الأبواب، لا تنتظر دولة منها عوناً من الاتحاد ولا من غيرها من دول الاتحاد، في صورة غير مألوفة ولا متوقعة من الاتحاد الأوروبي، الذي عُرف عنه التماسك في كثير من القضايا إلا أمام هذه الجائحة، بل بدأت الشكوك حول إمكانية أن يستمر الاتحاد كما كان بعد انكشاف هذه الغمة. ◄ كورونا وزعيمة العالم الحر الدراما التي يعيشها الأوروبيون الآن ليسوا هم الوحيدين فيها، فكذلك الأمر يحدث مع الولايات المتحدة، زعيمة العالم الحر كما تحب أن يُقال عنها. الولايات المتحدة، بجبروتها وقوتها تقف عاجزة أمام هذا الفيروس الذي فاق في انتشاره كل التوقعات. إذ إنها في خلال عشرة أيام فقط، قفز رقم الإصابات فيها من ألفي إصابة تقريباً لتصل حتى مساء أمس الأربعاء إلى خمس وخمسين ألف إصابة، في مشهد أرعب كل خبراء التخطيط والسياسة وإدارة الأزمات في هذه الدولة ! الحال من بعضه في كثير من قارات العالم، ومنها العالم العربي أيضاً، الذي يتوقع الخبراء أن تبدأ أرقام الإصابات في التزايد بشكل ملحوظ، في كل من السعودية التي قفز الرقم خلال أسبوع وبأعداد كبيرة لتسجل 900 إصابة واضطرت أن تطبق ولأول مرة في تاريخها، حظراً جزئياً للتجوال، في مؤشر على احتمالية أن يرتفع رقم الإصابات فيها خلال الأيام القادمة. والمشهد نفسه بدأ في مصر، التي سجل رقم الإصابات حتى أمس 442 إصابة، والتي يتوقع خبراء ومراقبون للوضع فيها، احتمالية أن تتحول مصر إلى بؤرة انتشار للفيروس في أفريقيا، ولعل تطبيق حظر التجوال فيها منذ يومين، مؤشر أيضاً على احتمالية وقوع مفاجآت في رقم الإصابات.. ◄ الكل سواء أمام كورونا الشاهد من كل ما سبق، أن جائحة كورونا أصابت كل دول العالم تقريباً، لا فرق بين دولة متمكنة ومتحضرة أو أخرى ضعيفة متأخرة. الكل أمام هذا الفيروس أمسى سواء. فالكل انشغل بنفسه تقريباً، ولم يعد هناك مجال أو فسحة كبيرة للدول أن تعين بعضها البعض، إلا ما رحم ربي وقليل ما هم. إنها من المرات النادرة التي تجتمع أو - إن صح التعبير- تواجه البشرية عدواً واحداً مشتركاً، لا يفرق بين أبيض أو أسود، أحمر أو أصفر، غني أو فقير، متعلم أو جاهل. وأحسبُ أن البشرية بعد أن تزول عنها غمامة كورونا، ستتغير فيها معالم وخطط وسياسات واستراتيجيات ورؤى، بل وربما تتغير موازين القوى، وبالمثل ربما التحالفات والتكتلات والاتحادات أيضاً. لقد صار إلى حكم المؤكد، أن هذا العالم لن يكون كما كان قبل جائحة كورونا. وحتى زوال هذه الغمة، لا يسعنا إلا أن نلتزم التعليمات ونلزم بيوتنا وأهلينا، ونسأله سبحانه اللطف والرحمة بنا وبكل البشر، إنه لطيف رحيم.