17 سبتمبر 2025

تسجيل

عودة الحديث عن الفدرالية لبنانياً

26 مارس 2016

خلال الأسبوع الفائت نُسب لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري قوله "إننا سنواجه التقسيم بالسلاح لصون الوحدة الوطنية"، مضيفًا أن "التقسيم خط أحمر ولن نسمح بتفتيت الدولة وضياع لبنان". حديث بري الذي نقلته صحف لبنانية تعتبر محسوبة على الحلف السياسي الذي ينتمي له يزيد في تأكيد صدقية المنقول وأنه لم يصل إلى طاحونة الصحافة نتيجة خرق للدائرة الضيقة، بل كان تسريبا يقصد منه توجيه رسالة شديدة لمن يرى فيهم الرئيس بري تهديدًا لمشروع الدولة القائم حاليًا. الغريب هنا أن يكون رأس الدائرة التشريعية في البلاد هو من يهدد باستخدام السلاح لوقف التقسيم والفدرلة في حين يفترض أن ينوط به بحكم موقعه الدستوري أن يكون من أبرز الداعين إلى حسم الخلافات داخل المؤسسات الشريعة مثل مجلس النواب وليس اللجوء إلى خيارات تتنافى مع مشروع الدولة مثل اللجوء إلى حمل السلاح خارج إطار الشرعية الدستورية. فما الباعث على إطلاق هذا التصريح الذي جاء في وقت لم يكن متداولًا على الساحة اللبنانية حديثًا عن التقسيم أو الفدرلة، ولم يطرحه أحد بعد أن حسم الدستور اللبناني الجدل التاريخي بشأن التقسيم فأورد في مقدمته "لا تجزئة ولا توطين ولا تقسيم". هل جاء كلام الرئيس بري تعبيرًا عن رفضه للتحرك في الشارع الذي سيربك الدولة أكثر ويهدد وجودها أم أنه نمى إلى سمعه أن أطرافًا لبنانية تستسيغ مشروع الفدرلة وترى آن أوان طرحه اليوم تماشيا مع المشروع الدولي مستعيدين أحلام قديمة، تمكن اتفاق الطائف الذي حسم الحرب الأهلية التي استمرت لعقد ونصف من دفنها وإهالة التراب عليها من أجل وحدة لبنان.المؤكد أن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وهما فصيلان مسيحيان يدرسان خططًا شعبية وسياسية للنزول إلى الشارع لمواجهة ما يقولون إنه تعطيل مبرمج للحيلولة دون انتخاب رئيس للجمهورية الذي هو من حصة المسيحيين في لبنان الأمر الذي يقصد منه إضعاف الدور السياسي للمسيحيين في لبنان. كان واضحًا كما قال زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع أن الفدرالية تتطلب أكثريات داخل كل طائفة في لبنان، الأمر غير المتوافر لا مسيحيا ولا سنيا ولا شيعيا ولا درزيا، وبالتالي النقاش في هذا الموضوع يؤدي إلى حرف الانتباه عن القضية الأساس المتمثلة بتطبيق اتفاق الطائف. أما الجنرال عون زعيم التيار الوطني الحر فمعلوم عنه معارضته الشرسة لاتفاق الطائف وأنه مع إعادة وضع اتفاق سياسي جديد يكون بديلًا عنه، وهو ما تستمرئه بعض القوى السياسية اللبنانية على خجل. لا يخفى على مطلع أن حديث لبنان والتقسيم حديث قديم قد يكون عمره من عمر لبنان الحديث..عند كل أزمة سياسية حادة كان يطرح التقسيم مشروعا للحل.. الأزمة الرئاسية اليوم في لبنان دخلت موسوعة جينيس لجهة أطول فراغ رئاسي يعيشه بلد عضو في الأمم المتحدة. ومجلس النواب مدّد لنفسه دون استشارة المواطن اللبناني أو حتى محاولة الوقوف على رأيه لمعرفة أنه يؤيد هذا الاتجاه من عدمه، وجاء التمديد مختزلًا العديد من الخيارات التي كان بالإمكان اختبارها دون اللجوء إلى تعطيل الحياة السياسية في إدارة البلاد في المؤسسات السيادية مثل البرلمان والرئاسة. لا شك أن تسويق فكرة الفيدرالية والنظام الفيدرالي في بناء سوريا الحديثة دوليًا ترك أثره الكبير على السياسي اللبناني طالما أن المشروع يعتبر تفاهمًا أمريكيا-روسيا بالدرجة الأولى وأنه قد يجري تعميم طرحه على دول أخرى في المنطقة تعاني أزمات حادة مثل اليمن، أو مباركته في العراق بعد تعنت واضح من قبل المكونات السياسية العراقية علمًا أن الدستور العراقي أشار إلى موضوع الأقاليم المتعددة داخل الدولة. ربما من هذه الزاوية يُفهم قول الرئيس بري إذا كان يرى أن مشروع الفدرلة المطروح إقليميا هو مشروع تقسيمي، وبالتالي يخشى أن يندفع مكون سياسي لبناني باتجاه طرحه للتخلص من المراوحة السياسية الحالية التي تعكس أزمة حكم في لبنان وليس أزمة أحزاب وقوى عاجزة عن إدارة الدولة منذ ما يربو على ثلاث سنوات حتى اليوم.