19 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب وسؤال الوحدة والتقدم

26 مارس 2016

يمر الشرق الأوسط بكل مكوناته في مرحلة هي الأصعب ربما منذ تقسيمات سايكس بيكو.لا شك أن إقامة الكيان العبري عام 1948 على أرض فلسطين كان الكارثة الكبرى بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، ومنه بدأت مشكلات وأخطار على الأمن القومي العربي لم يسبق لها مثيل، لا يزال التهديد الإسرائيلي لأمتنا هو الأكبر والأول.مع ذلك يتوجب بعد الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية وبعض جوارها الإسلامي أن يقف العرب والمسلمون وقفة مع النفس يراودونها عن أشجان كامنة ومسؤوليات لا يمكن إخفاؤها.الأحداث في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفي مناطق أخرى عكست حجم المشكلات التي تنخر المجتمعات العربية والإسلامية.تبين أن هذه المجتمعات غير محصنة أمام الشائعات وأمام أول امتحان يتصل بالسيادة وبالهوية والوحدة الوطنية واحترام الآخر والتسامح معه.أما امتحان الديمقراطية وتمثيل الأفضل وفق الاختيار الحر وأما امتحان تقبل النقد واعتباره ضرورة للتقدم وأما احترام التعبير الثقافي، على الأقل عن الهوية، فهي من باب شروط المدينة الفاضلة التي لم توجد يوما على وجه الأرض.حتى مطلقها أفلاطون لم يكن يرى في البشر سوى طبقات التمييز بينها من الطبيعة البشرية ولذلك كان التمييز بين اليوناني وغير اليوناني، فاليوناني حر ولو كان في السجن وغير اليوناني عبد ولو كان حاكما.لم يستطع العراقيون أن يتوصلوا إلى دولة موحدة ومجتمع موحد، التعددية العرقية والدينية والمذهبية لا تعني بالضرورة خيار التقسيم أو الفيدرالية أو حتى الحكم الذاتي، صحيح أن الخارج عمل حثيثا على بث التفرقة وكانت عنده المقدرة على إنجاح خططه، لكن لو أننا كنا على وعي كاف بمخاطر التقسيم والتفرقة لما كنا أوصلنا أنفسنا إلى مرحلة لا يجد الخارج، الغربي خصوصا، نفسه قادرا على التغلغل بسهولة إلى داخلنا.لو لم يكن العراق محتلا من داخله في عهد صدام حسين لما كانت الولايات المتحدة نجحت في دفع العراقيين لكي يتخلوا عن نظامهم، ولو لم يكن التسلط سمة معظم الأنظمة العربية لما حصلت كل هذه الاضطرابات.هذه الشعوب والأقوام والمجتمعات التي عاشت على مدى قرون جنبا إلى جنب بل الواحد متداخل مع الآخر هل يعقل ألا تستطيع العيش معا في عصر العولمة وتحول العالم إلى قرية صغيرة؟ هل يمكن أن تعيش هذه الشعوب معا في زمن السلام والقوة ولا تعيش معا في زمن التحديات والتهديدات؟ السؤال ينسحب على سوريا، النظام والمعارضة اتفقتا للمرة الأولى على قضية واحدة وهي معارضة الفيدرالية الكردية، لكن هل حقا أن الأكراد لا يستطيعون العيش مع المكونات الأخرى في سوريا؟ وهل تلك المكونات الأخرى غير قادرة على استيعاب وتفهم مطالب الأكراد وعددهم قليل حتى تبدأ المبارزة؟ أليس خطأ أن يستبعد أكراد سوريا بفصيلهم الرئيسي حزب الاتحاد الديمقراطي عن مفاوضات جنيف؟ أليس هذا هو ما يدفع الأكراد إلى إعلان رغبتهم بالفيدرالية وربما الانفصال لاحقا؟ أليسوا مكونا سوريا أساسيا؟أيضا هذا انسحب على الوضع في ليبيا حيث تتناهش البلاد حكومتان وبرلمانان وعاصمتان وجيشان بل جيوش في عودة إلى عصر الولايات الثلاث التي كانت سائدة في عهد الاستعمار.أوليس السودان نموذجا على التفريط بوحدة البلاد إلى درجة الاستقلال الكامل لجنوبه عن شماله؟تكثر الأسئلة ويسأل الجميع عن الحل لكل هذه المشكلات التي باتت مشكلات وجودية تتعلق بالهياكل البنيوية للمجتمعات وليس فقط بمظاهر السيادة.لقد كتب الكثير عن السبب الذي جعل الغرب يتقدم والعرب والمسلمون يتخلفون ويتقسمون ويتناحرون.ومنذ هذا التساؤل قبل قرن ونصف القرن لم يهتد العرب والمسلمون حتى الآن على جواب حاسم وقاطع وإذا اعتقدوا أنهم عثروا على الجواب فإنهم لم يحسنوا ترجمته إلى واقع وحقيقة فاستغرقوا في أنانياتهم ومشكلاتهم ولم ينجحوا سوى في محاولة إقصاء الآخر من داخلهم.لقد طرحت الكثير من النظريات والأفكار للبحث عن إجابات ووسائل لسؤال الوحدة والتقسيم، لكن المطلوب إعلان حالة طوارئ فكرية لاجتراح حلول ناجحة وعملية قبل أن يفوت الأوان الذي ربما قد فات.