10 سبتمبر 2025
تسجيلأسالت عملية تزكية وتعيين الدبلوماسي المصري أحمد أبو الغيط أمينا عاما لجامعة الدول العربية خلفا لنبيل العربي الكثير من الأحبار كما أنها أثارت الكثير من الجدال والنقاش حول هذه المنظمة التي راوحت نفسها لأكثر من 70 سنة للتأكيد على فشل العمل العربي المشترك. الموضوع الذي أريد أن أناقشه هنا هو ليس شخص الأمين العام القادم لجامعة الدول العربية، قد أعود إليه لاحقا في المقال، الموضوع هو ثقافة التناوب عند العرب وثقافة الديمقراطية في مؤسسة تجمعهم من أجل وضع إستراتيجيات العلاقات السياسية والدولية والاقتصادية بين الدول العربية فيما بينها ومع باقي دول العالم، فتسيير المنظمة وإدارتها بعيد كل البعد عن الديمقراطية وعن العمل العربي المشترك الفعال، فالمنظمة تدار وكأنها مؤسسة توزيع رواتب وامتيازات وكفى، فمبدأ أن يكون الأمين العام لجامعة الدول العربية من بلد المقر خطأ ويتناقض جملة وتفصيلا مع العمل الديمقراطي والتناوب على المنصب وإعطاء فرص لكفاءات موجودة في 21 دولة عربية. وهناك عشرات بل مئات المنظمات في العالم لم تفرض على أعضائها أن يكون الأمين العام أو المدير أو الرئيس من بلد مقر المنظمة، فالاتحاد الأوروبي وإيمانا منه بالديمقراطية والتناوب على إدارته جعل منصب الأمين العام بالتناوب، وهذا ما يقودنا للقول إن إدارة جامعة الدول العربية تحتاج إلى إعادة النظر، وما ينسحب على الأمين العام ينسحب على اللجان كذلك حيث نجد تمركزها في حفنة من الدول. فكيف نتكلم عن الديمقراطية وعن العمل العربي المشترك في ظل تناقضات كبيرة وصارخة في الجهاز نفسه. الظروف الني جاءت فيها جامعة الدول العربية في سنة 1945 تختلف تماما اليوم ما يحتم على العرب إعادة النظر في ميثاق الجامعة وفي أمور إدارتها وهيكلتها وتنظيمها، وأول خطوة في التغيير وإعادة الهيكلة هو وضع إستراتيجية ورؤية واضحة مبنية على أسس ديمقراطية في المقام الأول، بمعنى عدم إعطاء الفرصة لأي كان أن يستحوذ على الجامعة ويجعل منها مملكته ومؤسسته الخاصة لإدارتها وفق مصالح وأهوائه. فالجامعة بحاجة إلى ثقافة التناوب وثقافة الديمقراطية، أي أن القرارات لا يجب أن تملى من قبل دول معينة داخل المنظمة وإنما يجب أن تكون مبنية على آليات تتسم بالشفافية والوضوح ومصلحة الـ22 دولة المكونة للمنظمة. بالنسبة للجان والهيئات الفرعية للمنظمة يجب كذلك توزيعها بالتساوي وعلى الجميع ونفس الشيء بالنسبة للموظفين ورؤساء اللجان والهيئات الفرعية. فلماذا تحتم وتفرض مصر أحمد أبو الغيط على العرب؟ كوزير خارجية النظام المصري السابق نظام حسني مبارك الذي أثبت فشله وولاءه للكيان الصهيوني، هل يعني هذا أن هناك أجندة مبرمجة ومسطرة، هل سيستطيع أبو الغيط صاحب 77 سنة أن يوجه بوصلة جامعة الدول العربية في الاتجاه السليم، والمنطقة تمر بأسوأ مرحلة في تاريخها دول على وشك الانهيار وتحديات جمة وضخمة أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية..إلخ. أيعني هذا أن الدول العربية لا تتوفر على دبلوماسيين وساسة أكفاء ومؤهلين للقيام بالمهمة والمسؤولية على أحسن ما يرام، هل جامعة الدول العربية أصبحت بيت التقاعد ومكافأة نهاية الخدمة؟ مع الأسف الشديد ثقافة الاستمرار في الرداءة سائدة وإلا كيف نفسر تزكية الدول العربية قاطبة ما عدا تحفظ دولة قطر لشخص أبو الغيط، فمنذ سنة 1945 وجامعة الدول العربية قائمة على المجاملات وعلى المصالح الضيفة لبعض الفاعلين فيها، أما مصلحة شعوب الدول العربية فهي آخر من يسأل عنها القائمون على الجامعة. تعيين أبو الغيط أمينا عاما لجامعة الدول العربية هو تكريس الانبطاح وتكريس الرداءة وانتهاك لأحلام الشباب العربي من المحيط إلى الخليج، هو تعيين جاء ضد التغيير في المنطقة، ضد الثورات العربية التي أرادت أن تدشن عهدا جديدا للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في المنطقة العربية. أبو الغيط جاء تكريسا لنظام السيسي، نظام الانقلاب على إرادة الشعب المصري. تواجه جامعة الدول العربية انتقادات حادة ودعوات مكثفة للتغيير والتجديد والإصلاح لمواكبة التطورات والتغييرات التي شهدها العالم خلال السبعة عقود الماضية. والسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو ماذا قدمته هذه المنظمة من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والتعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الدول العربية من المحيط إلى الخليج؟ أين هي المشاريع المشتركة وأين هي العملة الموحدة وأين هي السوق العربية المشتركة؟ وأين هي عملية إلغاء التأشيرات وفتح الحدود بين الإخوة والأشقاء؟ أين هي السكك الحديدة والربط الكهربائي والطرق السريعة والخطوط الجوية والبحرية التي تربط الدول العربية بعضها ببعض. كيف نحقق التكامل السياسي والعمل العربي المشترك في غياب التكامل الاقتصادي والتجارة البينية بين أعضاء جامعة الدول العربية؟ مع العلم أن هناك عوامل عدة تساعد هذا التكامل والتعاون البيني والتي تتمثل في التاريخ واللغة والدين والحضارة المشتركة بين أعضاء الجامعة. تواجه جامعة الدول العربية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مشكلة إعادة الهيكلة والتنظيم والإصلاح والتغيير والتأقلم والتكيف مع الظروف الجديدة التي يعيشها العالم وضرورة تطبيق ديمقراطية صناعة القرار بداخلها وخروجها من الروتين والبيروقراطية إلى العمل الجاد والفعال على مختلف الأصعدة، فبعد ثورات الربيع العربي والحراك السياسي والاجتماعي الذي نجم عنها وبعد المشاكل التي تعاني منها عدة دول عربية فلا حل أمام منظمة العرب سوى الإصلاح والتغيير، فميثاق الجامعة واللوائح التي تحكمها وتديرها أُقرت في الأربعينيات من القرن الماضي وهذا يعني أن هذه القوانين بحاجة أن تُغير وتُجدد وفق التطورات العديدة والمختلفة التي شهدتها الدول العربية في السنوات القليلة الماضية، قمم الجامعة أصبحت روتينية شكلية وبروتوكولية وحتى آليات العمل فيها غير مبنية على أسس علمية ديمقراطية وفعالة. فالجامعة، مع الأسف الشديد، تعكس وضع الأنظمة العربية نفسها، فقوانينها ومواثيقها مازالت كما جاءت في الأربعينيات من القرن الماضي دون تطوير ولا تغيير ولا تكييف مع معطيات الألفية الجديدة. وحتى موضوع تدوير منصب الأمين العام للجامعة ورؤساء اللجان والمديرين وكبار المسؤولين فيها لم يُبت فيه بطريقة صريحة ومسؤولة وملتزمة. وإذا نظرنا إلى معظم المنظمات الإقليمية والجهوية والقارية والدولية في العالم نلاحظ ديمقراطية وإنصافا وعدالة وموضوعية وشفافية في توزيع المناصب والمسؤوليات، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على انعدام الرشادة والرؤية وروح الديمقراطية في إدارة شؤون جامعة الدول العربية.