16 سبتمبر 2025

تسجيل

قولوا عن داعش ما تشاؤون .. ولكن ارحموا الإسلام!!

26 مارس 2015

على صفحات التواصل الاجتماعي تناقل البعض فيلم فيديو لداعش تقيم فيه عقوبة الرجم على امرأة باقتراف جريمة الزنا .. وفي الفيلم تتوسل المرأة لأبيها أن يسامحها ولكنه لا يسامحها إلا تحت إلحاحها وبعد رفض شديد .. ثم تمت عملية الرجم في جو مشحون بالعاطفة والإشفاق .. لتنطلق بعد ذلك التعليقات التي جاء معظمها استجابة عاطفية لتلك المشاهد فمن المعلقين من شتم داعش ومنهم من شتم أبا المرأة ومنهم من أدان عقوبة الرجم ومنهم – للأسف – من شتم الإسلام ذاته ومنهم من أعلن الردة عن الإسلام إن كان بهذه القسوة .. والبعض راح يستغل الحالة العاطفية لفتح جدليات فقهية تخصصية ثم ترجيح رأيه في رفض حد الرجم .. وأقول:* بداية لا بد من تقرير أن مشاهد إقامة عقوبة الرجم بالشكل الذي تم تصويره وبثه على العامة وما تخلله من حوار بين المرأة وأبيها يستدر عاطفة كل ذي ضمير ولا يمكن إدانة عاطفة من وجد في نفسه شفقة أو رأفة فذلك من الرحمة التي جعلها الله تعالى في قلوب الصالحين المتخلقين بالإسلام ابتداء ( وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) .. لكن هذا الانفعال ليس هو نهاية المطاف وليس هو العامل الأساس في إقرار العقوبة أو في تركها ونقدها كما لا يمكن حمل كل الذين تهجموا على الإسلام في هذا السياق على حسن النية المطلق . فإن تجاوزنا الذين علقوا على الفيلم وعاطفتهم وأمية بعضهم تجاه أحكام ومبررات وفلسفة الشريعة الإسلامية فإن خمسة أمور تدور في محيطها هذه القضية وأمثالها .. ولا يصح أن نتجاوزها أو نتساهل في بيانها .. الأمر الأول : أن البعض يحاول ذم الإسلام والتخذيل عنه وهم صنفان ؛ أحدهما المتشددون والمتطرفون ( كداعش ) الذين فهموا الإسلام حد سيف وطعنة سكين أو رصاصة بنصف دولار ثم هم بتصرفاتهم ومعاركهم الغبية يلقون على الإسلام معاني الإرهاب والعبث والسطحية ويستثيرون عليه الخصوم ، والآخر : أولئك النفر من السياسيين والإعلاميين وبعض الرموز الدينية الرسمية والمقربة من نظم الثورة المضادة في مصر وسوريا وتونس وسواها الذين بدأوا يشنون حملة على الإسلام كله وصاروا يقيمون المحاضرات ويعقدون الندوات والمؤتمرات ويوظفون البرامج الإعلامية في ذلك ؛ وسمعنا منهم من اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه الذي أسس الإرهاب في مكة ، ومن اتهم نصوص الإسلام بأنها تدعو للتطرف ومن أباح زنا البكر ومن أنكر أن في الخمر تحريما قاطعا ، ومن أنكر عذاب القبر ومن طعن في صحيحي البخاري ومسلم .. إلى آخر هذه السلسلة من الهرطقات والتشويهات . الأمر الثاني : أن الكثيرين ممن يتهجمون على الإسلام اليوم ونراهم يستغلون نظام العقوبات للتشنيع والقدح والذم فيه يكيلون بمكيالين وثلاثة وعشرة بما ينفي عنهم القصد الأخلاقي والمستند القيمي والإنساني .. فهم يستنكرون قتل مجرم أو قطع يد سارق وهم ذاتهم لا يستنكرون عقوبات الإعدام التي تقرها القوانين الوضعية وإن عارضوها فبنصف لسان وبفهاهات دون بيان ، ولم نرهم يستنكرون حرق وقتل خصومهم السياسيين المسالمين على هامش الثورات العربية والثورات المضادة لها ، ولم نحس منهم من أحد ولم نسمع لهم ركزا في استنكار الحروب الطائفية والاحتلالية التي تشنها إيران والنظام السوري والكيان الصهيوني .. الأمر الثالث : أن العقوبات مقررة في الدين وفي العرف وفي العقل وإلا فالجريمة إذا لم يُردع المجرمون والعدوان إذا لم يتحقق العدل ، فليس كل الناس ينحجزون عن الجريمة وعن العدوان على دماء وأعراض وأموال الآخرين وعن تهديد الأمن بالتهذيب الخلقي وليس كل الناس يقنعهم منطق الجدال الفكري والوعظ الروحي والتوجيه المعنوي .. الأمر الرابع : أن في مقاصد الإسلام العامة ثم في أحكامه التفصيلية أنه لا يجوز أن توقع العقوبات إلا في سياق تطبيق كامل مادي ومعنوي للمنهج يحول دون وقوع الجريمة أصلا ثم يؤول لعدالة تطبيقها على المجرمين والجناة ثانيا وإلى القناعة بها عند إيقاعها ثالثا .. ولذلك وجدنا أمير المؤمنين والخليفة الثاني - عمر الفاروق – رغم جديته في التزام الشرع والإلزام به وتشدده في تنفيذ أحكامه .. وجدناه يعطل حد السرقة عام الرمادة ( المجاعة ) لأنه كما قال " لم يشبع الناس " والحظ معي فكرة أنه لم يشبع وليس لم يطعم .. بالتالي فما فعلته داعش ليس هو الإسلام ولكنه فهم مبتسر قاصر كفهمهم لكل ما يدور حولهم .. وعليه فظلم أن ينسب هذا الفعل للإسلام أعظم من ظلم أن تقيم داعش حدا في بلد لم تحكمه إلا شهورا ولم توفر فيه أسباب العفة عن الحرام لدى جماهير الناس وخصوص الشباب . الأمر الخامس : أن الذي خاض في الفقهيات ثم بنى ترجيحا لإنكار حد الرجم على حالة انفعال عاطفي مصنوعة وغير بريئة إنما هو يشجع على نقد الإسلام نفسه ويصطف مع خصومه ويكثر سوادهم ويستغل سذاجة لحظة انفعال في قضية جوهرية وقام بقلب وعكس منطق البحث العلمي ؛ فالأصل أن تنحكم العاطفة بالعقل وبالعلم وليس العكس .. وأقطع بأن الذين شاهدوا الفيديو ورفضوا العقوبة بناء عليه لم يلتفتوا للخلاف الفقهي الذي طرحه هنا من طرحه ولو شاهدوا أي عقوبة بنفس المؤثرات حتى مما ثبت تشريعه قطعيا في القرآن وبنص محكم ( كقطع يد السارق وجلد الزاني والقصاص من القاتل ) لكان موقفهم ورفضهم هو ذاته .. وإذن فليس ثبوت الحكم أو عدم ثبوته هو الحاكم على موقفهم ، كما أن هذه الزاوية من النظر لا تصلح لترجيح رأي على رأي فيها . آخر القول : قد نعترض على كيفية تنفيذ رجم الزاني أو على ظروف وحيثيات إنزاله أو على سياق الجريمة المؤدية للعقوبة وقد نتهم داعش وتصرفاتها .. ولكن الذي لا يصح هو الاعتراض على الإسلام ذاته أو الاتكاء على لحظة انفعال عاطفي لترجيح فقه على فقه أو إخراج مكنونات الكراهية والعداء للشرع الحنيف والدين القويم .