16 سبتمبر 2025
تسجيلما زال الإنسان يخوض غمار الحياة مسلحا بما تربى عليه من قيم ومبادئ، حاملا في يمينه ذات العصا التي تربى عليها في عائلة سلطوية، أو فالتا من يمينه أمور أولاده على الغارب، كنتيجة لتلك التربية، بينما نرى القليل ممن يتقن فن التربية، ممسكا بتلابيب الأمور فوق اللين ودون الشدة.ان أجمل الدراسات التي تكلمت في فن التربية، تلك التي وضحت معنى الحزم، والحزم درجة دون العنف، لكنها أقوى من التراخي والتساهل الذي يوجد عند بعض الناس، وكما أشرنا فإن بعض الناس، وكردة فعل للتربية التي نشأ فيها على القوة والعنف، يقوم بالتساهل في التربية، فيبالغ في رفع درجات الثواب مع أبناءه، وأنا أجد أن الإنسان الذكي يجعل الطفل يتأرجح بين الثواب ومنع الثواب، فأنا ضد العقاب لكنني مع منع الثواب، لأننا إن لم نحسن استخدام العقاب فإنه قد يؤدي إلى كسر هذه النفس، وهذا من أخطر الأشياء التي نورثها لأولادنا، وهو كسر نفس الصغير عند العقاب والتي قد لا تزول آثاره بسرعة. في الطرح الإسلامي حين قدم الشارع الحكيم سيكولوجية العقاب كان حذرا جدا في اختيار ذلك العقاب وطريقة تطبيقه، ونحن هنا نتكلم عن عقاب الصغير، فمن باب أولى أن أكون أشد حذرا في استخدامه على هذه النفوس الغضة. أضرب مثالا على تطبيق أسلوب الحزم هنا، فمثلا إذا عودت ابني أن أعطيه مكافأة معينة على شيء ما تقديرا مني، كأن يلعب بلعبته المحببة، وهذه مكافأة على مذاكرته، لكن إذا لم يذاكر في ذلك اليوم فأنا لا أسجنه في غرفته لأن هذا هو العقاب، وإنما أمنعه من الثواب المعتاد الذي أعطيه له كل يوم. إذا أردت أن أحقق شيئا ما في تربية أولادي، فلا يجب أن أدمر أشياء أخرى على حساب ذلك، وإذا أردت أن أعاقب ابني، وأنا اسميه عدم الثواب فلا أكون حاقدا وعنيفا، وإنما أقدم الاعتذار وأوضح له سبب ذلك، فقد تمنع هذا الثواب أو المكافأة عنهم، فيضيق صدرك، لكن حبك لهم يغلب عليك فيجعلك تمنع هذا الشيء حتى ترتقي بهم، ويجب أن ندرك بأننا نربي هذا الجيل والجيل الذي يليه، لأن الاحتمالية مرتفعة جدا بأن يرث ولدي أسلوب التربية الذي أتبعه. قد يرى البعض بأن هذه مثالية زائدة، ولكنني أقول بأن هذه هي نبوية محمد صلي الله عليه وسلم، تلك التي تعلمناها منه قبل أن نتعلمها من الطب النفسي، وهذا الحزم في التربية يجب أن يتم وأنا أنظر إلى عينيه، فلماذا نعتقد أنه علينا أن نورث البغض لدى أبناءنا عند عقابهم؟ وإنما يجدر بي أن أورث الحب والاحترام في نفسه، وأدربه كيف يدرب أبنائه، وأدربه على احترامي، وستسمعه يقول لك أنا أخطأت ملئ جوارحه. المتعة هي كعبة الطفل التي يدور حولها، فإذا جئت وصدمته في متعته بعنف سيلقي اللائمة عليك، وكذلك بالنسبة للمراهق، فسيكولوجية المراهقة قائمة على العناد، ولو صدمته بتلك الطريقة جاء رده عنيفا فلابد أن أكون رفيقا به.أيها المربي الفاضل، تعلم أن منع الثواب عن ولدك هديتك له في المستقبل، شريطة ألا تطيل ذلك المنع، مثلا أنت الآن قررت أن تعاقبه لمدة خمسة أيام في قضية معينة، فما إن يمضي اليوم الأول ويفعل فعلا ولو يسيرا جدا، أقول والله أنا أعجبني منك هذا الفعل جداً وأنا الآن ألغي ذلك العقاب الذي قررته تقديرا لهذا الفعل النبيل منك، وهو فعل يسير جدا لكني ماذا فعلت لربما ابني قدرته على تحمل العقاب ضعيفة، وربما يثور على فأكون تخلصت من هذه الثورة.أنا هنا أكون قد أضفت سلوكا جديدا عند ذلك الطفل، أو ذلك المراهق بفعل عفوي لم يكن يقصده ولم يكن يريد منه شيئا، فجعلت عاداته مزايا، وجعلته ينظر إلى دقائق الأمور بعمق أكبر، علمتني هذه الحياة الرحمة ولم تعلمني الحقد على الآخرين، علمتني العطاء ولم تعلمني الأخذ، وإذا كانت سيكولوجيتي أنا كأب ومربي، وأنا كقائد وأنا كمدير بهذه الطريقة، فسنحقق لذواتنا الراحة ونشع الراحة على الآخرين وهذا مطلب أساسي.تربية الأبناء استثمار صعب واستثمار مزعج، ولكن مردود هذا الاستثمار لا يقدر بثمن، والأجر الدنيوي والرباني يُسهل على المربي كل هذا الإزعاج والتعب، ولذلك على الإنسان أن يكون حازما باللغة النفسية الراقية لا بلغة العنف، وحتى لو انتهك المراهق حد من حدود الله لا تنقلب عليه، لأنه يعتمد على حسب شخصية المراهق، فقد يكون انقلابك دافعا له للعطاء، ولكن من كان لا يدفعه إلى العطاء فلا بد أن نأخذ الأمور بروية أكبر، نحن مع الحزم ليس مع العنف أنا ضد العقاب لكني مع منع الثواب، وعدم السهولة في إعطاء الأبناء متع كثيرة زائدة، وإنما تقنين المتعة بشكل منهجي حتى يكون لها طعمها، ولا تكون المتعة هي هم حياته ثم يصبح إنسانا متراخيا في الوجود، إنما الجدية والإنتاج بلا قلق هي المطلب الأساس فتأتي المتعة معطرة بتلك الجدية.