03 نوفمبر 2025

تسجيل

تركيا تحذر: تنبهوا واستفيقوا أيها المسلمون

26 مارس 2011

شكلت الثورات والانتفاضات التي شهدتها بعض البلدان العربية امتحانا حرجا جدا لحكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا. إذ إن القادة الأتراك لم يوفروا نظام حسني مبارك في مصر ونظام زين العابدين في تونس من الانتقاد والدعوة لتنحيهما الآن قبل الغد. وعندما بدأت الاحتجاجات تمتد إلى دول أخرى مثل اليمن والبحرين بدأ الموقف التركي يتحرك بصورة أكثر حذرا. لكن عندما جاء الدور إلى ليبيا كانت تركيا منذ البداية أمام وضع الأكثر حرجا توجه رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان بالقول إن المصالح التركية هي التي تملي مواقفها. في البداية بدا أن وجود استثمارات تركية بـ 15 مليار دولار وأكثر من مئتي شركة هو الذي يملي على تركيا موقفا لينا من نظام العقيد معمر القذافي. وفي الواقع أن هذه الاعتبارات صحيحة وواقعية. لكن تطور الأوضاع لاحقا وإدراك تركيا جيدا أن ليبيا ليست مصر وأنها ليست تونس وهي ليست اليمن أيضا، كان يملي على تركيا نوعا آخر من السلوك تجاه الوضع في ليبيا بحيث بات الهمّ الأعظم للمسؤولين الأتراك من الرئيس عبدالله غول إلى رئيس الحكومة أردوغان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو ليس فقط المصالح التركية بل تعداه إلى مجمل مستقبل خريطة الشرق الأوسط وبالتحديد العالم العربي والإسلامي. لم يكن وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان ليكشف سرا عندما وصف العمليات العسكرية الغربية ضد ليبيا بأنها هدي من الله للرئيس ساركوزي الذي تقدم المحاربين في "حملة صليبية". يذكر هذا الكلام ما كان اعتبره الرئيس الأمريكي صاحب الحملة العسكرية التي غزت واحتلت العراق، جورج دبليو بوش، حين وصف الغزو أيضاً بالصليبي. إنها ليست زلات لسان كما قد يتراءى للوهلة الأولى ولأنها تتكرر فهي ليست زلات لسان أبدا. عندما وصل الدور إلى ليبيا تغير كل شيء في الغرب.الذي لم يحصل لمصر وتونس والآن في اليمن وغيرها حصل بالنسبة إلى ليبيا.والأمر بسيط للغاية:ليبيا بلد قوي بنفطه. إذا استثنينا الحالة الفلسطينية حيث يحمي الغرب "الصليبي" ربيبته إسرائيل بالمال والدم والسلاح والأسلحة النووية والثقافة، وبالتالي لا يمكن أن يتجرأ على معاقبتها لا بقرار دولي ولا بأي قرار آخر، فإن الموقف الغربي من ليبيا كان متوقعا وهو هنا لا يختلف بحال من الأحوال عن الموقف الغربي من العراق أيام صدام حسين. ومنعا لأي التباس أن استبداد النظام العراقي كان من أهم عوامل وصول العراق إلى مرحلة تقديم الذرائع للغرب.واليوم أن الاستبداد الليبي هو أيضاً من عوامل تكتيل الغرب ضد ليبيا. لكن العامل الأساس للحملة الغربية هي استكمال مخططات إقامة شرق أوسط جديد تسوده الفوضى والنزعات التقسيمية فيسهل وضع يد الغرب على الجغرافيا الإسلامية ونهب ثرواتها. هذا هو الخوف الحقيقي الذي تحوّل واقعا عندما بادر الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي إلى توجيه ضربات عسكرية "إلهية" إلى الجيش الليبي المساند للقذافي من دون قرار واضح من مجلس الأمن وهو ما اعترضت عليه روسيا والصين. لا تريد فرنسا ولا أمريكا ولا بريطانيا تدمير القوات العسكرية للقذافي بل تريد تدمير أي إمكانية لبقاء جيش ليبي قوي لمن قد يخلف القذافي لاحقا ولو كان صنيعة الغرب.تماما كما حدث في العراق: تدمير الجيش وتدمير الثقافة والمتحف وتدمير البنى التحتية وتعزيز النزاعات العرقية والمذهبية التي أثمرت تقسيما فيدراليا فيأتي الغرب ليلتهم البلاد على طبق من ذهب وينهب ثرواتها فوق الأرض وتحتها. انه السيناريو نفسه في ليبيا. وهكذا تتحضر الدول العربية والإسلامية بالدور لتكون قربانا أمام مطامع الغرب الصليبية. هذا هو بالذات طبيعة الاعتراض التركي الحالي على الغزو الصليبي لليبيا.وإذا كانت عضوية ليبيا في حلف شمال الأطلسي قد فرضت عليها الموافقة على المشاركة في التدخل العسكري في ليبيا غير أنها أعلنت أنها لن تلطّخ يديها بدم الشعب الليبي سواء المؤيد أو المعارض للقذافي وبالتالي سترسل سفنا للتفتيش وليس للحرب. ليبيا نموذج للأنظمة الاستبدادية التي يتوجب اقتلاعها.لكنها أيضاً نموذج فجّ لمخططات الغرب الاستعمارية والصليبية التي تستهدف كل الجغرافيا الإسلامية من باكستان وأفغانستان إلى المغرب العربي مرورا بالعراق. الدور ينتظر الجميع ولا يظنن أحد أنه بمنأى عن هذا المصير المظلم.فتنبهوا واستفيقوا أيها العرب والمسلمون قبل أن تصبحوا أثرا، مرئيا منذ الآن، بعد عين.