18 سبتمبر 2025

تسجيل

بوتفليقة والرئاسة مدى الحياة

26 فبراير 2014

في تحد للمشهد السياسي الجزائري، وللمرض في الوقت عينه، أعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية في التلفزيون الرسمي الجزائري أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أودع لدى وزارة الداخلية والجماعات المحلية "رسالة النية بالترشح" للانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجرى في 17 أبريل 2014، وسحب استمارات اكتتاب التوقيعات الفردية للمترشحين. وبهذا الإعلان يكون الرئيس بوتفليقة وضع حداً للجدل الذي كان قائما طيلة الفترة الماضية بشأن ترشحه أو من عدمه، لاسيَّما بعد إصابته بجلطة دماغية أبعدته عن البلاد فترة طويلة للعلاج في فرنسا. وكان رئيس الحكومة الجزائرية السيد عبد المالك سلال، أنهى من جانبه، الجدل القائم في البلاد حول ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة، حين أعلن في ندوة صحفية أجراها على هامش افتتاح "الندوة الإفريقية حول الاقتصاد الأخضر" في مدينة وهران، ترشح الرئيس الجزائري للانتخابات الرئاسية، إذقال إنّ ترشح الرئيس بوتفليقة جاء بناء على إلحاح "من ممثلي المجتمع المدني" لمسه خلال الزيارات التي قام بها إلى 46 ولاية في البلاد من أصل 48 ولاية "ما ولد قناعة لدى بوتفليقة لقبول الترشح عزما منه على مواصلة المسارات التنموية والإصلاحات الكبرى التي بدأها منذ توليه قيادة البلاد سنة 1999. وسبق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الترشح للانتخابات الرئاسية خصمه اللدود السيد رئيس الحكومة السابق علي بن فليس البالغ من العمر 70 عاماً، الذي بعد أن عاش في صحراء التيه التي دامت عشر سنوات، أعلن يوم الأحد 19 يناير2014، ترشحه رسمياً للانتخابات الرئاسية. وبذلك أصبح بن فليس أبرز مرشح في مواجهة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، علماً أن المرشح علي بن فليس مني بهزيمة ساحقة في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 8 أبريل 2004، إذ حصل على نسبة 6.42% من الأصوات، أمام منافسه الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي حصل على أكثر من ثمانين بالمئة من الأصوات. ويعتقد المحللون الملمون بالشأن الجزائري، أن إصرار علي عي بن فليس للترشح للانتخابات الرئاسية ومواجهة الرئيس بوتفليقة، سيكون بمنزلة تكرار لسيناريو انتخابات عام 2004 حين انقسم "حزب جبهة التحرير الوطني" بين مؤيد لبن فليس، على رأسهم عبد الرحمن بلعياط، وبين مؤيدين للرئيس بوتفليقة، وعلى رأسهم عبد العزيز بلخادم. وفي تلك المواجهة غير المتكافئة، أيد قائد الأركان الجنرال الراحل محمد العماري علي بن فليس. والفريق محمد العماري رئاسة هيئة الأركان في عام 1993، خلفا ً للجنرال اليمين زروال الذي أصبح وزيرا للدفاع آنذاك، أصبح أحد أقطاب الحلقة الضيقة من الجنرالات الذين كانوا يديرون شؤون الجزائر، وينتهجون سياسة الاستئصال ضد الجماعات الإسلامية المسلحة ومن دون تفريق بين الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) والجبهة الإسلامية للإنقاذ وذراعها المسلح الجيش الإسلامي للإنقاذ. وكان الفريق محمد العماري الرجل القوي بلا منازع طوال 11 سنة، أو ما يلقب في الجزائر "بالعشرية السوداء" من زمن الحرب ضد الجماعات الإسلامية المسلحة التي خلفت أكثر من 150000 قتيلا، مع وجود فترات مرعبة من المجازر الوحشية، لاسيَّما في أعوام 1994، 1997، و1998. وأسهم هذا "الاستئصالي الجمهوري" والعلماني الراديكالي والمعادي للإسلاميين، مع كل ذلك في إيصال عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الرئاسة في أبريل عام 1999، على أرضية "المصالحة الوطنية" المحدودة مع الإسلاميين. ويجمع العارفون بالشؤون الجزائرية أن العلاقات بين الفريق محمد العماري والرئيس بوتفليقة خلال ولايته الرئاسية الأولى كانت دوماً معقدة، ويسودها التوتر، الأمر الذي أجبر رئيس هيئة الأركان السابق على الرد. وكما شرح ذلك خالد نزار وزير الدفاع السابق في مذكراته، بقوله: لقد تم انتخاب الرئيس بوتفليقة كأسلافه، لأنه كان مرشح الجيش. واتهم بوتفليقة في حينه بمحاولة تقزيم الجيش وإبعاده عن الساحة،وإعادة بعث "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بعد تصريحات أطلقها رئيس الدولة الجديد بخصوص توقيف المسار الانتخابي من قبل الجيش الجزائري في شهر يناير عام 1992، والتي اعتبرها "عنفا وخطأ". وفي المقابل كان الرئيس بوتفليقة مدعوما من قبل من رئيس جهاز الاستعلامات والأمن الجنرال توفيق مدين، ويعتبر هؤلاء المحللون أن تمسك بن فليس بالتنافس يعني أن سيناريو العام 2004 قد يتكرر، وقد يتكرر معكوساً. وقد شهدت الطبقة السياسية الجزائرية انقساماً واضحاً بشأن ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بين مؤيدين لولاية رابعة للرئيس ومعارضين لها.من المؤيدين لترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يتصدر "حزب جبهة التحرير الوطني"» (الأفالان) طليعة هؤلاء، بوصفه أول حزب بادر إلى هذه الدعوة. وهو الحزب الذي يحتل المركز الأول في المجلس الشعبي الوطني الجزائري. وحتى المعارضين لزعامة سعيداني للحزب، وعلى رأسهم عبد الرحمن بلعياط، يؤيدون ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة، مع العلم أن بلعياط كان من مؤيدي علي بن فليس في انتخابات عام 2004. وإضافة إلى حزب "جبهة التحرير الوطني، هناك حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" (الأرندي)، الذي يحتل المركز الثاني في البرلمان من حيث عدد الأعضاء، ويرأسه رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح. كما يدعم ترشيح بوتفليقة "حزب تجمع أمل الجزائر" (تاج)، ويرأسه وزير النقل عمار غول، الذي دخل الحكومة ممثلاً لحركة "مجتمع السلم" (حماس)، وقد انشق عنها بعد وفاة مؤسسها محفوظ نحناح. ويأتي بعد ذلك "حزب الجبهة الشعبية الجزائرية" بزعامة وزير التنمية الصناعية وترقية الاستثمار عمارة بن يونس، الذي دخل الحكومة ممثلاً عن حزب "تجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»"(الآرسيدي)، الذي انشق عنه بعد انسحاب الحزب من الحكومة، وشكل حزبه الخاص. وتنضم إلى هذه الأحزاب الداعمة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة العديد من النقابات العمالية والفلاحية، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الشعبية مثل "منظمة المجاهدين وأبناء المجاهدين"، و "أبناء الشهداء"، وهي كلها منظمات تدور في فلك السلطة.