22 سبتمبر 2025

تسجيل

اقتصاد الكويت.. مرحلة انتقالية واعدة

26 فبراير 2012

مرت الكويت في ظروف صعبة قل مثيلها، وما زالت تحتفظ بتقييم مرتفع في الأسواق المالية أي AA- وهذا ما تحسدها عليه أهم الدول الغربية. استطاعت تخطي الظروف، وتبني اليوم نفسها من جديد معتمدة على الإيرادات المالية الكبيرة وتوظيفها بالشكل المناسب. بلغ الناتج المحلي الفردي 37 ألف دولار في سنة 2010 علما بأن عدد السكان يبقى في حدود 3.6 مليون شخص. ترتكز الكويت على ديمقراطية عميقة لم تستقر بعد، وهذا طبيعي في ظروف إقليمية ودولية متقلبة. لا يمكن تأمين استمرار الازدهار الاقتصادي إلا عبر الاستقرار السياسي، وهذا يتطلب مشاركة الجميع بما فيها المرأة في كل السلطات وأهم المراكز التنفيذية الحساسة. الانتقال الهادئ صعب، لكنه لا بد وأن يتحقق في ظل الوعي السياسي والإداري الذي نشهده ونسمع به. لا يمكن لأحد أن يتوقع استمرار الإيرادات النفطية على ما هي عليه اليوم والتي تشكل حوالي %90 من الموازنة كما من الصادرات، وبالتالي يجب التفكير أكثر بتنويع الاقتصاد وهذا ممكن. لماذا لا تتطور مثلا الصناعة الكويتية أكثر وفي كل المجالات؟ لماذا لا يتم الاعتماد على الصناعات ذات القيمة المضافة الكبيرة لأن تكلفة الإنتاج مرتفعة نسبيا. يمكن للكويت، بالإضافة إلى الاستفادة من الطاقات البشرية الداخلية، استقدام أفضل الطاقات الخارجية بدءا من العربية إلى الأجنبية خاصة أن قسما منها عاطل عن العمل بسبب الأزمة المالية وتقليص الموازنات الغربية. لماذا تنجح سنغافورة مثلا ولا تنجح الكويت؟ لماذا لا يتطور قطاع الخدمات أكثر ليس فقط في المصارف وإنما في الأسواق المالية والخدمات التكنولوجية والمعلوماتية والاجتماعية المعروفة؟ الكويت قادرة وتملك الإمكانات، والمطلوب التركيز على التنويع والتنفيذ. بلغ النمو الاقتصادي الكويتي سنويا حوالي 5% في فترة 2006 \\ 2010 باستثناء سنة 2009 حيث انحدر الاقتصاد بالنسبة نفسها. بسبب الأزمة المالية الغربية، انحدر سعر برميل النفط من حوالي 94 دولارا في سنة 2008 إلى 58 دولارا في سنة 2009 مما سبب انخفاض الإيرادات من 82 مليار دولار إلى 47 مليارا خلال سنة. ما زال الإنتاج النفطي في حدود 2.6 مليون برميل في اليوم، وهذا على ما يظهر يصعب تخطيه في القريب المنظور. بفضل الإيرادات النفطية الكبيرة، يتحقق فائض في الحسابات الوطنية بلغ 32% من الناتج في سنة 2006 و%40 في سنة 2007 ونسب محترمة جدا في السنوات التي تلت. إذا استثنينا الإيرادات النفطية، تتحول الحسابات إلى عاجزة بشكل مقلق مما يشير إلى خطورة الاتكال على النفط على المدى الطويل وضرورة التنويع. في ميزان الحساب الجاري، هنالك فائض سنوي كبير بلغ 45 مليار دولار في سنة 2006 و60 مليارا في سنة 2008 ويبقى في حدود عالية مقبولة في السنوات التي تلت. إن تراكم هذه الأموال من سنة إلى أخرى، يعطي الكويت قدرات هائلة للتحكم بمستقبلها وتنويع اقتصادها مما يخدم أجيال المستقبل. لا شك أن الوضعين الاقتصادي والمالي الحاليين للكويت يطمئنان الداخل كما الخارج. ما هي الإجراءات التي قامت بها الكويت لمواجهة التحديات الخارجية أي النابعة خاصة من الأزمة المالية الغربية؟ أولا: لمواجهة ركود سنة 2009، زادت الدولة من إنفاقها الجاري وليس الاستثماري معتمدة على النظريات الكينيزية التي تعطي جدوى كبيرة في الظروف الصعبة. من 28% من الناتج في سنة 2007، ارتفع الإنفاق العام إلى 34% في سنة 2009 و38% في سنة 2010. استطاعت معها تخفيض نسبة البطالة من 3.6% في سنة 2009 إلى 2.9% في سنة 2010. ثانيا: استمر التنبه إلى أوضاع القطاعين المالي خاصة المصرفي في ظل الأزمة التي أطاحت بأفضل وأرقى المصارف العالمية. تشير الأرقام وبسبب تطبيق معايير السلامة إلى زيادة مناعة المصارف من ناحيتي الرسملة والأرباح كما خفت نسبة الديون غير القابلة للتحصيل. أما الإبقاء على سعر الصرف الثابت، فيساهم في طمأنة المواطن بالنسبة إلى نقده وذلك رغم تعديل النظام أي نقل ربطه من الدولار إلى سلة من العملات. ثالثا: قام المجلس النيابي الكويتي خلال سنة 2008 بالموافقة على برنامج تنمية لأربع سنوات يبلغ 108 مليارات دولار. هدف البرنامج طويل الأمد، إذ يدخل في إطار جعل الكويت مركزا إقليميا ماليا وتجاريا أساسيا قبل سنة 2035. يرتكز البرنامج ليس فقط على التنويع الاقتصادي وإنما على تعزيز أوضاع القطاع الخاص عبر القوانين والحوافز وتسهيل الإجراءات والتمويل بحيث يصبح ركيزة الاقتصاد الوطني. لا شك أن التحدي الأكبر يكمن في القدرة على التنفيذ في ظل الظروف الداخلية والخارجية المعروفة. رابعا: يهدف البرنامج الرباعي إلى تحسين وتطوير مناخ الاستثمار عبر تعزيز البنية التحتية للاقتصاد بما فيها الطرق والمطار والمستشفيات خاصة التعليم. تهدف الكويت إلى جذب الاستثمارات المباشرة إلى كل قطاعاتها. فالقدرة المحلية على التمويل مهمة جدا لكن التنفيذ النوعي ضمن البرنامج الزمني يجعل من الكويت نموذجا لكل الدول العربية. تحديات المستقبل مختلفة حتما عن الماضي. هنالك حدود لحجم الثروات النفطية المتوافرة إذ إن الاكتشافات الجديدة قليلة وما هو متوافر اليوم سيستهلك تدريجيا إذا لم تحصل مفاجآت جديدة. تسعى الدول الصناعية أيضا إلى استعمال طاقات جديدة ذات تلوث أقل، فهذا هو الاتجاه الدولي المرتكز على تطوير "الاقتصاد الأخضر". لا يمكن لنا كمجتمع دولي أن نستمر مع التلوث المتكاثر والمضر بالحياة. فحاجات وتقنيات وكفاءات المستقبل ستكون حتما مختلفة عن الماضي، وبالتالي يجب التحضر لها حتى لا نفاجأ بها. من هنا أهمية تعديل برامج التعليم خاصة في المدارس الكويتية والعربية عموما بشكل يتناسب مع التغيرات الآتية في العلوم وتطبيقها ليس فقط في قطاع النفط وإنما في كل القطاعات الإنتاجية. هنالك وعي واضح لأهمية العلوم في عالمنا اليوم، لكن المطلوب التنفيذ في تعديل البرامج المدرسية لتأهيل الأجيال الجديدة وتحضيرها لمواجهة الخصائص الجديدة لأسواق العمل. رغم الأزمة المالية العالمية، العالم يتغير بخطى كبيرة تربط دوله أكثر فأكثر عبر التجارة والقوانين وأنظمة السلامة والمواصفات كما عبر التبادل السلعي والخدماتي. هنالك ركائز كبرى تفرض على الكويت وغيرها من الخارج من قبل المجموعات الاقتصادية الكبرى. تعودنا في العقود الأخيرة أن يأتي هذا الفرض من الغرب ومن الولايات المتحدة تحديدا. أما المستقبل فسيكون مختلفا، إذ ستتحكم الدول الآسيوية أكثر بالتطورات الاقتصادية الدولية. فالثقل الاقتصادي العالمي ينتقل نحو آسيا خاصة الصين والهند بالإضافة إلى مجموعة شرق آسيا. يجب التحضر لتوازنات اقتصادية ومالية جديدة تسيطر عليها إلى حد كبير الدول الناشئة ذات الثقافة والتاريخ والمصالح المختلفة. أخيرا، من مصلحة الكويت الموافقة مجددا على مشروع السوق النقدية الخليجية. رغم أن قرار الخروج لم يصدر رسميا، إلا أن تغيير نظام الصرف الثابت يشير إلى ذلك. من الخطأ أخذ التجربة الأوروبية المتعثرة لإلغاء مشروع الوحدة النقدية. هنالك فارق كبير بين الوضعين وهو قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على التمويل، وهذا متعذر في أوروبا حتى من قبل ألمانيا. مشكلة أوروبا اليوم هي مالية وبالتالي الوضع الخليجي مختلف جدا. ليس هنالك من وحدة نقدية فضلى في العالم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي تشكل بتاريخها وتركيبتها السكانية وضعا خاصا. إن تحقيق الوحدة النقدية الخليجية لا يفيد فقط الدول الست المعنية، وإنما يحقق أسواقا كبيرة لبقية الدول العربية كما يدعم النمو الإقليمي. المطلوب إذا أن تعدل دولتا عمان والإمارات موقفيهما مما يفيد الجميع.