16 سبتمبر 2025

تسجيل

هنا الدوحة.. هنا الحفاوة

25 ديسمبر 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في المرة المقبلة حين أزور الدوحة، بإذن الله، لن أُبلّغ صفوة أصدقائي العظام هنا/ هناك بمقدمي، فأنا أخشى على نفسي من فرط الحفاوة! منذ أن زرت المدينة للمرة الأولى قبل بضع سنوات قامت ذاكرتي بوضع المدينة الجميلة كلها عن استحقاق في ملف (الحفاوة). في الدوحة يحتفون بك كل مرة بشكل مختلف فتصوراتهم عن الأمر تتناسل بشكل لا ينتهي. المرة الأولى دخلت المدينة مرتبكاً كعادتي مع المدن الجديدة. أتحسس جواز سفري بشكل متكرر وأعيد النظر في حقيبتي بشكل قلق: هنا المصحف الشريف، وهنا الكاميرا، وهنا الحامل الصغير، وهنا محفظة أحتفظ فيها ببعض النقود وبطاقة مصرفية للمسافرين! ليس ثمة عطور في الحقيبة الصغيرة كما ينبغي وليس ثمة أي مواد تثير شهية رجال أمن المطارات للعبث بمحتويات الحقيبة. الحذاء ينبغي ان يكون من الجلد أو القماش والبنطال بدون حزام وساعة اليد موضوعة في حقيبة السفر الكبيرة. الهاتف النقال والكمبيوتر؟ لا مناص، لكنهما يدخلان من باب وادخل أنا من باب آخر دون ان يثير دخولي صوت الصافرة واشارة اللون الأحمر التي تضطر الشرطي الى اعادتي أو تفتيش جيوبي بيديه. حين أنهيت كل هذه الترتيبات، كانت بوابة الصعود الى الطائرة قد أغلقت، دون أن تكلف نفسها عناء انتظاري، فاضطررت لتأجيل رحلتي! لا بأس، لم أكن اعرف المدينة لكن موظفة الخطوط كانت حفية بي فضمنت لي مقعداً في الرحلة التالية وفي مطار الدوحة بدأت الحفاوة: موظف المطار الذي قدمت اليه جواز سفري نظر الي باعتناء لا يوفره لك عادة موظفو المطارات إذ هم يجرون وثيقتك على الماسحة الضوئية ثم يقرأون ما يجود به الحاسوب الموصل بها وينظرون اليك بين الفينة والأخرى للتحقق مما قاله الحاسوب العارف بالدقائق والأسرار. كم تمنيت أن يريني موظفو المطارات ما يظهر على شاشات حواسيبهم حين تقرأ من جوازات سفري لكنهم في العادة صامتون وحذرون ومغرمون بالسرية. استطيع ان اخمن ماذا تقول حواسيب المطارات عني: إذن هذا محمد عثمان إبراهيم، مولود في أغسطس ويحمل وثائق تقول انه مولود في يناير (ما هذه اللخبطة؟)، هو يتظاهر الآن بالملل لكنه يستمتع بالفرجة على المطار الجميل وحين أعيد اليه جوازه سيبتسم وقد يقول شكراُ! بعد أن حملت حقيبتي خرجت من بوابة عليها علامة خضراء لأجد أمامي اشخاصاً لا أعرفهم كلهم ولكنهم أليفون ككل سكان المطارات حيث الرجال أنيقون وهادئون والنسوة ساحرات. أحد هؤلاء كان يعرفني بدليل الورقة المطبوعة التي عليها اسمي. أبلغته بلطف مصطنع أنني من ينتظره فأصر على حمل حقيبتي ورفضت. في كل مرة يختلف شكل الحفاوة لكن الدوحة مملوءة دائماُ بالمفاجآت اللطيفة والوداعة.أعذب ما في الدوحة هي علاقتها معنا نحن السودانيين. أودعناها خيرة مثقفينا، وأبرع المهنيين فينا، وأذكى الأكاديميين منا، وأزكى الحرائر من نصفنا الآخر، وأرشق الرياضيين من بيننا، وأكرم طلاب الرزق من أهلينا، والدوحة منذ ٤٥ عاماً على استقلال قطر لا تكف عن مد اليدين بالترحيب. من لم تعرف الخرطوم قدره من أهلها عرفت قدره الدوحة فمنحته من فيض خيراتها نهلاً، وعللاً، وملاذاً مشتهى، ومن لم يعرف قدر الخرطوم من أهلها عرف قدر الدوحة فشارك أهلها فيما أفاء به الله عليهم من نعمه التي لا تحصى، نسأل الله أن يديمها عليهم ويبارك لهم فيها.سعدت بأصدقائي الكثر هنا وافتخرت فبمثل هؤلاء الناس تفتخر. تمتعت بالأسمار الغنية، والحكايات، والحوارات، والطرف، والجدالات، والأفكار لكنني أتمنى الآن شيئاً سأكتب عنه في صحف الخرطوم: على كثرة إقامتنا كسودانيين في الخليج، وعلى كثرة استفادتنا من خيرات الخليج فإنه لا توجد جامعة واحدة تخرج خبراء حملة شهادات في الشئون القطرية، أو الشئون السعودية، أو الشئون الإماراتية، أو الشئون الخليجية عامة. لا يوجد مواطن واحد في بلادنا يحمل معرفة منهجية ومدروسة عن هذه الشئون. أعتقد انه قد حان الوقت لأن يقدم السودانيون لأهلهم المعرفة اللازمة بثقافة هذه البلدان، وتراثها، وحضارتها، وادبها، وفنونها، وغنائها، ورموزها. أهلاً بكم في الدوحة.