17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); معايير التقييم للدول أو للأشخاص الذين مثلوا الدول لابد أن تكون محل اتفاق بين الباحثين في التراث الإسلامي ، حتى نستطيع أن نصل إلى نتيجة ، وإلا ، إذا اختلفا في الأصول ، فإن اختلافنا فيما تؤدي إليه من نتائج سيكون أكثر اختلافا . ومن هذه المعايير التي تعد مباديء إسلامية عامة ، قامت عليها الأدلة الشرعية : مدى احترام هذه الدول ، أو هؤلاء الأشخاص الذين حكموا دولا للإنسان من حيث كونه إنسانا ، جعله الله تعالى أكرم مخلوق في عالم الوجود ، كما جاء في قوله تعالى :" ولقد كرمنا بني آدم " الإسراء 70 ، وتقديرهم للحرية ، وإقامتهم للعدل بين الناس ، وسعيهم للعمل من أجل سعادة الإنسان وراحته ، وتحقيق إنجازات حقيقية في هذا الصدد ، ممثلة في التعليم والصحة ، والصناعة ، وغير ذلك مما يعد في أعراف الدول - من منظور تقييمي - نهضة وتقدما .ذلكم لأن البناء الأعظم الذي يجب أن تقوم عليه الحضارة ، هو بناء الإنسان ، وأن المحور الرئيس الذي ينبغي أن يكون مرتكز التقييم لأي حقبة تاريخية أو معاصرة هو الإنسان .إننا نعظم قيم العدل ونلتقي مع كل من يعظمها ، حتى ولو كان غير مسلم ، ونرفض كل من ينتهك قيم العدل ، ويصادر الحريات ، ويسلك طريق الظالمين حتى ولو كان مسلما .وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم حلفا قبل بعثته لنصرة المظلوم ، ورد الظالم ، وشارك فيه مع غير مسلمين ، لأنهم يعظمون قيمة إنسانية وهى رفض الظلم ، وقال في ذلك : " لقد دعيت في دار عبد الله بن جدعان إلى حلف ، لو دعيت بمثله في الإسلام لأجبت " .لقد كانت دولة عمر مضرب الأمثال في التاريخ لأنها اتخذت العدل مظلة ، واحترام الآدمية معتقدا ، وحريات الناس عنوانا ، وإسعاد الرعية منهجا ، والرحمة بالضعفاء مذهبا وخلقا . لماذا يشيد كثير من الناس اليوم ببريطانيا ، ويعتبرونها بلد الحريات ، وقبلة المضطهدين ؟ لأنها سنت قوانين تحمي الضعفاء والفارين من الطغيان والظلم، وتمنحهم وثيقة لجوء سياسي ، وتحترم الحريات ، وتغيث الملهوف ، وتنصر الضعيف ، وتقف إلى جوار المضطهد.لقد كانت دولة عمر مضرب الأمثال ، رغم أنها كانت من الحالات القليلة في حياة الدول والأمم التي وقعت فيها مجاعة ، ومع ذلك لم تنل هذه الأزمة من شخصية عمر بوصفه قائدا للدولة ، لأن الناس رأوا أن ما حل بهم لم يكن من كسب يديه ، ولا بسبب فساده ، أو انغماسه في متع الحياة الدنيا ، أو انشغاله عنهم بخاصة نفسه ورغباته ، ولكنهم رأوا أن مظلة عدله كانت تسع الجميع ، وأن بذله لنفسه من أجل سعادتهم كان محل اتفاق ، وأن سعيه في رد الجوع عنهم كان مثالا تحتذيه القادة ، حتى إنه جاع معهم ، وعاش كما عاشوا على أنصاف البطون وأرباعها ، ولم يهنأ حتى انكشفت الغمة ، وانقشعت الظلمة .