15 سبتمبر 2025
تسجيلرغم الاختلاف الكبير بينهما، اختار حزب النور المصري السني أن يسلك نفس سبيل حزب الله اللبناني الشيعي وأن يراهن على الطرف الذي يظنه الأقوى. فكما ربط حزب الله وجوده بوجود النظام السوري، ودافع عن مشاركته في المعارك إلى جانبه ضد الثورة السورية، اصطف حزب النور في صف الانقلابيين، وشارك بحماس في إعداد دستور الانقلاب، معتبرا أنه أنقذ هوية مصر، وحافظ على مواد الشريعة! وإذا كانت طبيعة نشأة حزب الله وارتباطاته بالثورة الإيرانية الموالية للنظام السوري تبرر انحيازه الأعمى لمواقف الأخير، فإن انحياز حزب النور المصري للانقلاب يثير العديد من علامات الاستفهام. صحيح أن الارتباطات الخارجية قد يكون لها موقع من تفسير موقف الحزب، وتحديدا علاقته بالمملكة السعودية التي تقف خلف المؤسسة العسكرية وتعادى جماعة الإخوان في الصراع الحالي، إلا أن ذلك لا يكفي لتفسير سلوك حزب النور، فالحزب ليس ميليشيا مسلحة تقاتل بالنيابة عن الغير، كما هو حال حزب الله، كما أن الارتباط الأيديولوجي بين قادة الحزب وعلماء المملكة لا يصل إلى حد التطابق في المواقف، ولذا يتحتم البحث عن تفسيرات أخرى تبرر انحياز حزب النور إلى الانقلاب على هذا النحو. التفسير الأول أن الحزب لم يستطع قراءة التغيرات الحاسمة التي مر بها المجتمع المصري، وظل أسيرا لتصوراته السكونية وقناعاته التي تتصور المجتمع في حالة من العجز الكامل إزاء السلطة الحاكمة، الأمر الذي دفعه إلى اختيار جانب الانقلابيين ومهادنتهم رغم استخدامهم القوة المفرطة مع خصومهم، والذين كانوا في وقت ما رفقاء في الانتساب إلى المرجعية الإسلامية التي يدعي حزب النور انتسابه إليها. وإذا صح هذا التفسير فإنه يعني أن الحزب قد تناسى أن الثورة الشعبية (بعد المشيئة الإلهية) وليس إرادة القوة الحاكمة هي التي أتاحت لمعتقليه مغادرة سجون النظام بعد سنوات من الحبس الجائر. كما يعني أن قادة الحزب قد قرروا أن يخوضوا العمل السياسي بلا ذاكرة، وذلك وفق قراءة قاصرة تكرر خطأ جماعة الإخوان الذين انحازوا إلى طرف سبق وأن خانهم، ما يهدد بأن يلقى حزب النور مصيرا أسوأ مما واجهته جماعة الإخوان. التفسير الثاني أن حزب النور قد قبل التورط في المشروع الانقلابي انطلاقا من طموحه لأسلمة المجتمع والدولة من خلال ضمان موقع في هرم السلطة. فمن خلال مشاركته في السلطة وعدم اصطدامه مع القائمين عليها أيا كانت الطريقة التي جاءوا بها إلى الحكم يتصور القائمون على الحزب أن الطريق سوف تصبح ممهدة أمامهم لممارسة عملهم الدعوي. هذا التفسير يصطدم بسلوك الحزب في فترة وجود جماعة الإخوان على قمة السلطة، ففي هذه المرحلة لم يتسم أداء الحزب بنفس المهادنة أو الاستكانة التي يعيشها حاليا، وإنما كان يتحفظ أشد التحفظ على أي شاردة أو واردة تصدر عن الجماعة. من ناحية أخرى فإن الحزب لم يقدم جهدا ملموسا في مجال أسلمة الدولة والمجتمع على المستوى العملي طوال عام من حكم الإخوان، ومن ثم تبدو محاولته إقناع منتقديه بأنه سوف يمارس دوره الدعوي من خلال الانخراط في العمل السياسي في ظل الانقلاب محاولة غير مستساغة. التفسير الثالث أن قادة الحزب يحاولون خداع النخبة العلمانية وقادة الانقلاب، وذلك بغرض الحفاظ على ثوابت الأمة وعلى مواد الهوية في الدستور. ولكن المشكلة أن التركيبة الفكرية للحزب وقادته لا تتيح لهم ممارسة مثل هذا الدور، وحتى لو سلمنا بأن الحزب يمتلك القدرة على المراوغة فإن الحاصل أن مراوغته قد ثبت أنها بلا قيمة. فالنسخة المعدلة من دستور 2012 قد استبعدت كل ما "راوغ" الحزب من أجله، فقد استبعدت النص على أن مصر جزء من الأمة الإسلامية والنص على مرجعية الشورى، والنص على أخذ رأي هيئة كبار العلماء في التشريعات، والنص على حظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء، كما استبعدت الاستدراك الخاص بمادة المساواة بين الرجل والمرأة والذي كان يجعل ذلك مقيدا بأحكام الشريعة الإسلامية. وعلى العكس تم النص على تجريم إنشاء الأحزاب على أساس ديني، الأمر الذي يهدد وجود حزب النور من الأساس، بوصفه حزبا دينيا على نحو لا مراء فيه. التفسير الرابع أن إستراتيجية حزب النور إنما تهدف إلى تجنب شبح التعذيب والإبادة، فالنور يدرك جيدا ما في جعبة النخبة الحاكمة ضده، وقد شاهد المصريون الفيديو الشهير الذي تحدث فيه مجموعة من العلمانيين عن خطورة حزب النور، وعن ضرورة مواجهته عقب الفراغ من مواجهة الإخوان. وعلى هذا الأساس يكون هدف السلوك النوري درء هذا التهديد، عبر الانسياق في التركيبة السياسية الجديدة انطلاقا من قناعة أن الحزب غير قادر على مواجهة الدولة أو المتحالفين معها. إلا أن محاولة مواجهة مخاطر الاضطهاد عبر المبالغة في موالسة النخبة لن تجدي نفعا، فشهر العسل بينه وبين الأحزاب العلمانية لابد وأن ينتهي في مرحلة قريبة جداً، فالخلاف بين هذه القوى وحزب النور هو أكبر من أن يتم تجاوزه عبر مواءمات سياسية. وعليه فإن الاستمرار في انتهاج سياسة الإذعان والرضا بالأمر الواقع والعودة إلى ديباجات التحذير من الفتنة لن تجدي حزب النور نفعا. وأيا ما كانت التفسيرات فإن تطورات غير سعيدة لابد وأنها في انتظار الحزب، فالقاعدة المجتمعية للحزب تتعرض حاليا لشروخ عميقة، خاصة وهي تستشعر أن الحزب قد انحصر دوره في تجميل وجه الانقلاب وأصبح رأس حربة تستخدمها الأطراف العلمانية للقضاء على تنظيم الإخوان، كما أن فرص الحزب في البقاء في تركيبة السلطة تبدو هي الأخرى محدودة للغاية، فالمؤكد أن الحزب لن يكون مرحبا به في إطار أي توزيع للسلطة يتم بمعزل عن الجماهير، ولن تكون حظوظه وافرة إن تم الاحتكام إلى إرادة الجماهير. وإن كان مثل هذا الاحتكام تحيط بنزاهته شكوك كثيرة، وذلك إن لجأ إليه الانقلابيون أصلا.