18 سبتمبر 2025
تسجيلبحثت تركيا مؤخرا عن سبل لتصحيح علاقاتها مع اسرائيل.من ذلك إرسال طائرات لإخماد حرائق جبل الكرمل في شمال فلسطين.وما تلاه من اجتماع ثنائي بين مبعوث إسرائيلي ومدير عام الخارجية التركية في زوريخ. فتحت البادرة التركية بابا أمام إسرائيل للتجاوب مع مطالب تركيا في الاعتذار عن الاعتداء على سفينة مرمرة والتعويض على الشهداء الأتراك التسعة. لم يحدث ذلك.استمرت إسرائيل في رفض الاعتذار مع اقتراح تعويضات بمئة ألف دولار لكل ضحية. تلعب تركيا وإسرائيل لعبة القط والفأر.يشعر الطرفان كلٌّ بالحاجة للآخر. تركيا لا تزال ترى أهمية استمرار العلاقة مع إسرائيل .والذرائع الإنسانية وراء إرسال طائرات إخماد الحرائق إلى إسرائيل واهية. وقول وزير الخارجية التركية إن للناس في الشرق الأوسط دَينا علينا أيضا لا يستقيم مع الإجرام الصهيوني. تنظر تركيا إلى العلاقة مع إسرائيل على أنها شرّ لابد منه.وإلا ما مبرر القيام بمبادرات حسن نية تركية تجاه إسرائيل من دون أن تقدم هذه الأخيرة على أي تنازل وتغسل الدم التركي الذي لا يزال على الطريق في العراء؟. الشعور التركي بمثل هذه الحاجة يعود لعوامل متعددة. من ذلك أن الدور التركي المتنامي لم يكتمل بعد ويحتاج إلى مزيد من الوقت لكي ترتسم كل معالمه التطبيقية. القادة الأتراك رسموا منذ زمن الأطر النظرية للدور لكنهم وجدوا في التطبيق العملي أن ذلك يوصل إلى الاصطدام بقوى لا تزال تشكل عنصرا أساسيا من العلاقات الدولية لتركيا ومن محيطها الجغرافي ايضا. الاصطدام بإسرائيل ليس مجرد مواجهة ثنائية بل هو مواجهة أيضا مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي. والواقعية التركية أدركت ذلك مؤخرا وهي عضو في حلف الناتو وذات علاقات عسكرية بنيوية من واشنطن.فضلا عن أن أمريكا هي اللاعب الأساسي في العالم والمحيط الإقليمي لتركيا.والولايات المتحدة هي المعنية مباشرة بالوضع في القوقاز ومشكلته الأرمنية وخطوط الطاقة من باكو وجيهان إلى نابوكو. والاصطدام مع إسرائيل هو اصطدام مع الاتحاد الأوروبي الحامي الرسمي الثاني للكيان العبري بل ذي الحدود المشتركة مع إسرائيل من خلال الجرف القاري في البحر المتوسط بين قبرص اليونانية وإسرائيل. ومؤخرا وقبل ايام قليلة فقط وقعت إسرائيل وقبرص اليونانية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما تمهيدا للتعاون لاستخراج النفط والغاز في المنطقة. وقد اعترضت تركيا على الاتفاق على أساس أن الجزء التركي من قبرص معني بمثل هذا الموضوع لكنه بقي خارج المفاوضات فيما لتركيا أيضا حدود بحرية مع قبرص ككل. يسود شعور واقعي في تركيا أنها مستهدفة من إسرائيل والغرب في دورها الإقليمي والدولي. إسرائيل تمضي في تعزيز علاقاتها الأمنية والعسكرية مع قبرص وبلغاريا واليونان ورومانيا وكلها من الدول الجارة لتركيا.وواشنطن تبتز تركيا من جديد في الملف الأرمني وعرضه أمام الكونجرس. وتحاول تركيا في المقابل امتصاص الغضب الغربي من خلال تقديم تنازلات في بعض الملفات مثل نظام الدرع الصاروخي الذي وافقت أنقرة على نصبه في تركيا رغم أنه موجه ضمنا ضد إيران وسوريا وغيرها من الدول المعارضة للسياسات الغربية في المنطقة. كذلك من خلال بادرة إرسال طائرات إخماد الحرائق إلى إسرائيل. ومع أن تركيا لا تكتفي بتقديم تنازلات إذ تسارع إلى تعزيز علاقاتها مع الدول المشرقية مثل توقيع اتفاقية إقامة اتحاد رباعي اقتصادي وثقافي بين تركيا وسوريا والأردن ولبنان، فإن السياسة الخارجية التركية تشهد بعض التراجع أو ربما الحذر في سلوكها الخارجي لم يكن كذلك في السنوات القليلة الماضية. وليس خارج الواقعية أن تبدّل الدول سياساتها أو تكتيكاتها لتحقيق مصالحها وأمنها على المدى الطويل لكن الخطاب الأيديولوجي المرتفع السقف الذي أطلقته أنقرة خلق أوهاما غير واقعية لدى بعض المجموعات في المنطقة ومنهم الفلسطينيون المحاصرون في غزة الذين يرون أن أحدا ممن دعموهم نظريا ومنهم تركيا لم يستطع مساعدتهم ولا يزالون متروكين في السجن الكبير في العراء للحصار والجوع والموت.وفيما كانوا ينتظرون طائرات المساعدات التركية(والعربية) لتحمل لهم الفرج، إذا بهذه الطائرات تتجه إلى الكرمل!. لقد أحدثت التحوّل في السياسات التركية تجاه المنطقة ومناصرة القضايا العربية ارتياحا واسعا لدى العرب والمسلمين لكن الواقعية كانت تقول بأن للدخول التركي إلى المنطقة حدودا من الواضح أنه لا يمكن له تخطيها. وإدراك ذلك والتحرك على أساسه هو في مصلحة الأتراك( والعرب والمسلمين) بحيث لا تضطر أنقرة لأي مبادرة تظللها علامات استفهام.