18 سبتمبر 2025

تسجيل

السيسي وسد النهضة وأبو زيد الهلالي

25 نوفمبر 2017

أبو زيد الهلالي في الثقافة العربية يبدو كإنسان خارق محبوب، وترتكز بطولة أبي زيد على الشجاعة وقد بالغ فيها الشعب العربي حتى أخرجها من الممكن وتجاوز بها الطاقة البشرية، واليوم كل من صدع بالتهديدات العنترية وصف بأنه "أبو زيد الهلالي زمانه".  الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن قبل أسابيع عن عزمه الترشح في انتحابات 2018 الرئاسية، بيد أن الرجل يحتاج ليعزف على أوتار تطرب رجل الشارع المصري وتستحثه وتنسيه المشاكل الاقتصادية التي تمسك بخناقه، حيث يعيش 27% من الشعب تحت خط الفقر بينما ارتفع الدين المحلي إلى أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي. مياه النيل وتر حساس يستغله اليوم نظام السيسي بحديث مغلوط على أشرعة معلومات كاذبة.. في هذا التوقيت الحساس أي محاولة بدء حملات انتخابية مبكرة؛ عُقدت بالقاهرة المباحثات الفنية الثلاثية بشأن سد النهضة الإثيوبي بين مصر، وإثيوبيا، والسودان وعندما أبدت إثيوبيا والسودان تحفظات على تقرير الشركة الاستشارية المنوط بها إنهاء الدراستين الخاصتين بآثار سد النهضة على دولتي المصب، قررت القاهرة وقف المباحثات الفنية، ورفع الأمر مباشرة إلى المستوى الحكومي للدول الثلاث، رغم تقدم السودان وإثيوبيا بمقترحات موضوعية لمعالجة الخلاف مسنودة بالاتفاقات القائمة.  ولم يقف رد فعل الحكومة المصرية عند حد وقف التفاوض، بل خرج الرئيس السيسي متوعدا ومحذرا من المساس بحصة بلاده من المياه. مضيفا:"هذه مياه تساوي بالنسبة لنا حياة أو موت شعب". واعتبر مجلس الوزراء المصري في بيان له، أن "الأمن المائي المصري من العناصر الجوهرية للأمن القومي المصري". وأشار الإعلام المحسوب على الحكومة إلى أن مصر لن تتوانى في استخدام الخيار العسكري، حتى تتجسد لدى الشعب شخصية أبو زيد الهلالي.  قبل 2015 كانت القاهرة تلوح بالعمل العسكري ضد إثيوبيا لكن بعد توقيعها اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم حول السد النهضة والذي وقعه السيسي نفسه مع رئيسي السودان وإثيوبيا في مارس 2015، حيث تحولت قضية السد من المربع السياسي المتوتر إلى المربع الفني التنموي. قطعا أن الحل العسكري سيخلق أزمة لمصر مع كل إفريقيا، وأن خسائره السياسية ستكون كبيرة. وفي المقابل لدى إثيوبيا القدرة على الرد بالمثل ونقلت صحيفة ريبورتر الإثيوبية بارزة عن خبراء عسكريين إثيوبيين قولهم بأنه إذا ضربت مصر سد النهضة ستضرب إثيوبيا السد العالى. العقلية الأمنية المسيطرة في مصر تعتبر أن سودانا مستقر سياسيا ومزدهر اقتصاديا يشكل خطرا على مصر خاصة إن كانت هي مضطربة سياسيا ومهتزة اقتصاديًا كما هو واقع الحال اليوم. النظم المصرية ظلت تمارس سياسة "الكبح الإستراتيجي" ضد السودان لعشرات السنين وأعاقت كثيرًا من مشروعاته ونشطت في منع المستثمرين من الوصول إليه.  وبينما يكذب النظام في القاهرة وآلته الإعلامية على الشعب بأن إثيوبيا تستهدف النيل من حصة مصر وترمي إلى قتله عطشا فإن الواقع يقول إن إثيوبيا لديها أكبر احتياطي للمياه في إفريقيا. وتسمى برج المياه لأن العديد من الأنهار تنبع من أراضيها المرتفعة. كما أن الانحدار الشديد للهضبة الإثيوبية لا يمكّن من إقامة مشاريع زراعية بمساحات ضخمة تستوعب كميات كبيرة من المياه المخزنة. ويقال إن إثيوبيا تستهلك فقط (1.5) مليار متر مكعب من النيل الأزرق خلال (25) عاما. ولذا فإن هدفها من السد توليد الكهرباء وليس استهلاك المياه. بينما تستحوذ مصر على نصيب الأسد من هذه المياه، أي نحو 55.5 مليار من نحو 88 مليار متر مكعب، هو إجمالي المياه التي تتدفق عبر النهر سنويا. في حين أن نصيب السودان 18.5 مليار متر مكعب منها 10 مليارات لم يستغلها بعد بسبب ضيق السعات التخزينية المتوفرة لديه وظلت تذهب مباشرة إلى مصر. فكيف في ظل هذه الحقائق يمكن التعدي على حصة مصر؟ إلا إذا اعتبرت القاهرة العشرة مليارات الفائض من حصة السودان حقا مكتسبا. لأن السودان سوف يتمكن من تخزين هذه الكميات في سد النهضة ليتم استغلالها فعليا بعد 88 عاما.  من المفارقات أن سعة سد النهضة فقط (74) مليار متر مكعب بينما سعة السد العالي (162) مليار متر مكعب.. وتتوافر في السد العالي على مدار السنة (123) مليار متر مكعب عدا فترات الفيضان وذلك أكثر من حصة مصر بكثير.