06 نوفمبر 2025

تسجيل

البنية التحتية في العقيدة الاقتصادية

25 أكتوبر 2015

إذا كانت السلوكيات تتبع البنية التحتية من العقيدة في المجمل، فإن الفعل الاقتصادي لا يحيد عن ذلك المفهوم ولذلك يصبح أولا فهم العقيدة الاقتصادية أمرا ضروريا والتعمق في البنية التحتية العميقة أمرا لا يمكن تجنبه إذا ما كانت الأهداف هي وضع رؤية كلية للاقتصاد والسياسات الاقتصادية، كانت نقدية أو مالية، وما إذا كانت تلك المعتقدات هي داعمة للفعل الاقتصادي أم لا وإذا ما كانت عائقا فلابد من مراجعتها والعمل بوعي على تعديلها أو استبدالها بما هو أصلح لمؤسساتنا، أما الاستمرار دون أدنى رد فعل فهو معنى عائق اقتصاديا واجتماعيا وماليا. إذا نظرنا للاقتصاد الوطني، من البديهي رؤية المرتكزين الأهم في دعم الاقتصاد الوطني وتكوين الميزة التنافسية فيه وهما الطاقة الهيدروكربونية والصندوق السيادي، فقطاع الطاقة والقطاع المالي يجب اعتمادهما كمحركي الأساس للاقتصاد الوطني وعليه فإن تنمية كلا القطاعين لابد أن تأخذ الأولوية، فهل تم هذا بواقع الحال، قطاع الطاقة بذل فيه مجهودات كبيرة وخاصة إنتاج ومعالجة الغاز، أما القطاع المالي فقد أهمل تحقيقا لمفهوم الباب "اللي يجيك منه ريح سده واستريح"، وتلك مقولة لعمري تفضي للخراب وبالنظر لأهمية القطاع المالي وخاصة الاستثماري كان لابد لنا وقفة لأن هكذا معتقد هو عائق كبير في سبيل تنمية تطوير وتحديث القطاع المالي، معتقد مثل هذا كان وليد تجربة في السوق المالي، كان يجب أن يخلق الدافع لتطوير القطاع المالي إلا أنه أدى لمخاوف غير مبررة بعيدة عن الواقع ولم تستطع القيادات المتعاقبة تطمين المجتمع أن ما حدث في السوق المحلي تقابله أحداث أعم وأدها في بقية الأسواق العالمية ولكن تلك الأحداث لم تثنهم عن معالجة الثغرات وتلافي العثرات وتطوير قطاعاتهم المالية، فالتطوير والتحديث والمبادرات تعتمد المجازفة وتحتمل النجاح والفشل هكذا الحياة، أما الخوف من الفشل أو استنكاره يعني الركود. حسب علمي ولقربي من القطاع ولاستمرار تساؤلي عنه لا أملك إلا أن أتعجب من أسلوب إدارته، فمن ناحية الكلمات والمصطلحات التي تتبارى في تقلدها دول العالم تعتبر شبه محرمة لدينا في القطاع المالي الوطني، مثل كلمة استثمار المصارف، والمستثمرون يتحاشون ذكر كلمة استثمار، فالمصرف المركزي يعطل أي تمويل يذكر فيه كلمة استثمار، أما إقامة شركات استثمارية أو بنوك استثمار فذلك لعمري مطلب يستحيل تحقيقه وأنه كما ذكرنا في بداية الحديث هو ضرورة لتمتين الميزة التنافسية للاقتصاد الوطني وواجب المصرف المركزي دعمه وليس منعه، وإن كانت الأسباب التي أدت لهذا المعتقد قديمة وغير ضرورية وخاطئة، والاستمرار إلى الآن في هكذا سياسة هو العائق الأكبر في سبيل تطوير القطاع المالي، فالدول تبذل جهودا جبارة من أجل إنشاء المؤسسات المالية لأنها المسهل للعمل الاقتصادي، أما منع إقامة مؤسسات مالية فهو غير مفهوم. ومن سياسات المصرف المركزي استمرار المحافظة على مستويات عالية من الفائدة على القروض، مما يضعف قدرة الشركات المحلية في المنافسة مع الشركات العالمية، خاصة أن الشركات الأجنبية تحصل على قروض بالعملات الخارجية التي تقرب أسعار الفائدة عليها من الصفر، في الوقت الذي يمنع على البنوك المحلية منح قروض بالعملة الأجنبية والتي من شأنها تزويد الاقتصاد بالسيولة ولكن ترك الاقتصاد الوطني يرزح تحت وطأة تكلفة رأسمال هي الأعلى مما يعرض الاقتصاد والشركات والمواطن لأعباء تكلفة عالية دون أسباب منطقية، خاصة أن العالم اليوم يتعرض لتراجع الأسعار ومعه معدلات التضخم السلبية ومخاوف البنوك المركزية العالمية هي التضخم السلبي، أي تراجع معدلات الأسعار ولذلك نتوقع أن يتأثر اقتصاد الوطني بالتضخم المستورد كونه يعتمد على الاستيراد، فالمطلوب من المصرف المركزي مراجعة سياساته التي طال الأمد على تصحيحها، ما نتوقعه من المصرف المركزي وأي من مؤسساتنا هو دعم عملية التنظيم الذاتي التي يقوم بها المجتمع فهي منوط بها مبادرة البناء وإنشاء المبادرات الداعمة للنشاط الاقتصادي والمالي والنقدي في حالة المصرف المركزي، ثم ترك المجتمع والقطاعات لتوظيف طاقاتها وإمكاناتها وبدء عملية التطوير والتنظيم الذاتي بالابتعاد قدر الإمكان وأخذ دور المراقب. أما التدخلات المفرطة فهي تنفي دور أصحاب التخصص والمتعاملين وتحد من المبادرات والابتكار والإبداع وتلك العقيدة لابد من فحصها وإدراك تبعاتها على الاقتصاد والقطاع المالي خصوصا ويجب ألا يخفى علينا مدى حركيّة وتحولات وانتظام القطاع المالي وتجميده ليس من الطبيعة في شيء وليس مسايرا لمفهوم الاقتصاد الحر.