14 سبتمبر 2025
تسجيلتحول «حزب النداء» الطرف المهيمن في الائتلاف الحاكم في تونس إلى «الرجل المريض» بسبب الأزمة الهيكلية التي يعاني منها، والتي تفاقمت بعد وصوله إلى السلطة عقب نجاحه في احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 أكتوبر 2014، حين نجح في قلب المعادلة السياسية في البلاد بتمكنه بعد عامين من تأسيسه من صياغة خارطة حزبية جديدة لعل من إيجابياتها إحداث توازن مع حركة النهضة رغم ثنائية الاستقطاب وسلبياتها وتبعاتها. وتعمقت أزمة الحزب لأنه لم يعقد مؤتمره رغم كثرة الحديث عن المواعيد المؤجلة لعقده، لا قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية ولا بعدها، وهذا يضع علامات استفهام كثيرة حول الديمقراطية داخله وبالتالي يستنقص من شرعية هياكله وقياداته. ولم تكن هذه الأزمة الهيكلية التي شهدها «حزب النداء» مفاجئةً في شيء للمتابعين والمحللين للمشهد السياسي التونسي، ذلك أن هذا الحزب الذي منحه قسم كبير من الشعب التونسي، لاسيَّما الطبقة المتوسطة، الأكثرية، لاعتقادها أنه الحزب الأوفر حظاً لإلحاق الهزيمة بمشروع الإسلام السياسي المتمثل في انفراد حركة النهضة بالمشهد السياسي التونسي منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011، لم يكن منذ تأسيسه سوى «تحالف» انتخابي للحد من هيمنة النهضة أكثر من كونه حزب يتمتع بمرجعية فكرية وبرنامج اقتصادي ومجتمعي وثقافي لبناء مجتمع جديد، ودولة وطنية ديمقراطية في مرحلة ما بعد الانتقال الديمقراطي تلبي أهداف الثورة التونسية. ولهذا صدم الشعب التونسي والرأي العام، وبطبيعة الحال قاعدته الانتخابية، حين أقدم على تشكيل الحكومة الجديدة مع «حزب النهضة الإسلامي»، ضمن ما بات يعرف في تونس بـ«الديمقراطية التوافقية».بعد أن أصبح الحزب في قبة البرلمان المنتخب بنحو 86 نائباً، وأصبح رئيسه السيد محمد الناصر، وهو من حزب «نداء تونس»، اتخذ الزعيم التاريخي للحزب السيد الباجي قائد السبسي قرارا بأن يصبح السيد محمد الناصر الرئيس المؤقت للحزب، وكل من ابنه حافظ قائد السبسي، المشرف على الهيكلية بالحزب، وفاضل عمران رئيس كتلة نداء تونس بمجلس نواب الشعب، أعضاء داخل الهيئة التأسيسية للحزب، التي أصبحت بهذه الإضافة تضم 14 عضواً. وتمت التزكية للقرار من قبل جميع الأعضاء باستثناء الطيب البكوش الذي رفض الإمضاء. وكان الناطق الرسمي للحزب السيد الأزهر العكرمي صرّح للصحافة التونسية بأنه تم رفض إضافة كل من حافظ قائد السبسي ومحمد الناصر وفاضل عمران إلى الهيئة التأسيسية لنداء تونس، باعتبارها الهيئة التي تمثل الشرعية التاريخية للحزب، نظرا لغياب إمضاء الأمين العام الطيب البكوش على وثيقة الإضافة للهيئة التأسيسية، حيث إن القانون المنظم للأحزاب في فصله الثاني يشترط الإجماع في إضافة عضو أو أكثر. وبما أن الطيب البكوش لم يمض على الوثيقة المذكورة ولم يوافق على الإضافة فإن وجود قائد السبسي الابن ونائب رئيس الحزب ورئيس الكتلة النيابية للنداء هي مسألة غير شرعية وغير قانونية وهو ما سيعيد الهيئة التأسيسية إلى تركيبتها الأصلية دون زيادة أو نقصان، المتكونة في الوقت الحاضر من 11 عضواً. لقد كشفت الأزمة السياسية الأخيرة في «حزب نداء تونس»، أنها ليست أزمة ناجمة عن خلافات أيديولوجية وسياسية أو خلافات في البرامج والخيارات الاقتصادية، بقدر ما هي صراعات وحرب مواقع حول «التموقع» المستقبلي سواء للأفراد أو للتيارات التي تشكل هذا الحزب، لاسيَّما مع اقتراب موعد انعقاد أول مؤتمر للحزب، الذي سيفرز هياكل منتخبة،لاسيَّما موقع الأمين العام للحزب، باعتباره من أشد المعارك الساخنة، نظرا لعلاقتها بمعركة توريث حافظ قائد السبسي على رأس قيادة الحزب.