19 سبتمبر 2025

تسجيل

لاعبان ودولتان والحبل على الجرار

25 أكتوبر 2014

تدخل المنطقة العربية والشرق أوسطية في مرحلة جديدة من الفوضى العارمة. لم يسبق للمنطقة المقدسة وقلب العالم أن عرف مثل هذا الاضطراب الكبير. نسوق هذا الكلام بعدما دخلت على الخط منظمة أقامت "دولة" وتحدّت كل الدول الإقليمية والدولية، هي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة اختصارا باسم "داعش"، وبعدما تشكل في جدة تحالف دولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. قبل أعوام لم يكن يتوقع أحد أن يدخل لاعب جديد بقوة على ساحة الشرق الأوسط وهو اللاعب الكردي، وقبل سنة فقط لم يكن أحد يتوقع أن يظهر تنظيم بهذه القوة يعصف بالحدود ويطيح بالجيوش وهو مجرد تنظيم لا دولة ولا تحالف بين دول، ليتحول إلى اللاعب الإقليمي الثاني بعد الأكراد. لاعبان جديدان ما كان لأحد أن يتخيل أنهما الآن هما محور الصراع الإقليمي والدولي ومركز الحراك العسكري والمناورات السياسية والأمنية بين الدول. غزا "داعش" وسيطر على أكثر من محافظة مهددا حتى العاصمة بغداد. وكاد يتمدد حتى الحدود السعودية والكويتية وصولا من الجهة الأخرى الشمالية إلى أبواب أربيل. وفي المقلب السوري كان "داعش" يفاجئ الجميع عندما خرج من قمقم الضربات الجوية التي شنها التحالف ليوجه جحافله إلى كانتون عين العرب/كوباني في المنطقة الوسطى الشمالية على الحدود مع تركيا ويحتل عشرات القرى الكردية وصولا إلى محاصرة ومن ثم اقتحام مدينة كوباني حيث لا تزال المعارك كرا وفرا بين مقاتلي داعش ومقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المؤيد لحزب العمال الكردستاني في تركيا. منذ تشكيل التحالف الدولي ضد الإرهاب أعلنت واشنطن أن العمليات ستقتصر على الضربات الجوية ولن تكون برية. من الواضح أن هذا لن يحسم المعارك ولن يؤدي إلى هزيمة داعش، بالطبع لا تقف القوى المؤثرة في المنطقة متفرجة على مجرد غارات جوية، وكل منها يلعب لعبته وفقا لقدرته وتكتيكاته وهامش المناورة أمامه. غير أن ما ظهر حتى الآن هو أن واشنطن تمارس اللعبة الأكثر ذكاء لجهة مصالحها ولجهة رسم حدود نفوذ جديدة للدول والقوى والتنظيمات على حد سواء. ولقد كان الخط الممتد من أربيل إلى كوباني مرتكز اللعبة الأمريكية الجديدة. الأكراد الذين لم يكن لهم إلى الأمس القريب حتى مجرد كيان باتوا الحصان الأسود والوحيد والمركزي الذي يعتمد عليه الأمريكيون ويسيّرونه أمام عربة مصالحهم. دفع الأمريكيون قوات إقليم كردستان العراق المعروفين بالبشمركة ليكونوا أبطال التصدي الأول لداعش. دفعوا الخطر عن اربيل وتقدموا لتحرير سد الموصل ومن ثم معبر ربيعة إلى سوريا. بدا الأكراد على أنهم القوة الوحيدة التي استطاعت أن تهزم داعش ويمكن لها أن تهزمها لاحقا. ونجحت واشنطن في تثبيت هذه الصورة عن مقاتلين لم يكونوا يملكون سوى بعض الأسلحة الفردية والمتوسطة!. ومن كوباني بالذات استكملت الولايات المتحدة لعبتها الجديدة. وقف الرئيس الأميركي باراك أوباك متحديا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو معلنا أنه يجب دعم المدافعين الأكراد عنها بالسلاح وقائلا إنهم ليسوا إرهابيين وذلك بعد يوم واحد فقط من وصف أردوغان لهم بالإرهابيين. بل أكثر من ذلك أرغم أوباما تركيا على فتح ممر لمساعدة كوباني بالمقاتلين. وأكثر من ذلك فإن هؤلاء المقاتلين سيكونون من البشمركة تحديدا. وبذلك يكرس أوباما معادلتين: الأولى أن تركيا لا يمكن لها أن تعترض إلى ما لانهاية على القرارات الأمريكية وهذه تعتبر ضربة لكل الطروحات التركية تجاه المسألة الكردية ويفتح أمام مرحلة جديدة من التواصل بين واشنطن وحزب العمال الكردستاني تحديدا الأخ الأكبر لمقاتلي كوباني من الأكراد. أما المعادلة الثانية فهو تثبيت واشنطن للمرة الثانية بعد أربيل، قاعدة أن القوات البرية التي ستعتمدها في الحرب ضد داعش هي البشمركة تحديدا. وكما جلس الثنائي البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو ذات يوم من العام 1916 ورسما خرائط المنطقة وحدودها هاهو باراك أوباما يرسم الخرائط الجديدة للمنطقة مثبتا اللاعب الكردي دولة جديدة على امتداد العراق وسوريا حتى اليوم وتركيا غدا، في انتظار ظهور معالم الدولة الجديدة الثانية التي قد تكون دولة داعش ولو بتسميات أخرى. وحبل الدول الجديدة على الجرار من العراق وسوريا إلى ليبيا واليمن وكل أرض العرب والمسلمين الذين يعيشون أسوأ أيامهم منذ أن عدّوا "خير أمة أخرجت للناس"!.