17 سبتمبر 2025

تسجيل

في تدويل الإرهاب والفشل في احتوائه

25 أكتوبر 2014

شهد النصف الأول من القرن العشرين حدثين هامين أثرا تأثيرا بالغا في طبيعة الصراع حتى يومنا هذا، حربين عالميتين أشعلتا وأججتا أحلام ورغبات الوطنيين وحطمتا شرعية الحكومات والنظام الدولي. شهد القرن الماضي تصاعد الوطنية عبر العالم، حيث أصبحت الشعوب المستعمَرة في العديد من الإمبراطوريات الاستعمارية تنشط على مختلف الأصعدة لتغيير أوضاعها والتخلص من الاستعمار والحماية والوصاية والتبعية وأدى تطور مفهوم العرق والأقليات وارتباط العديد من الدول بهما إلى دعم هذين المفهومين من قبل المنظومة الدولية والتطورات السياسية العالمية. وهكذا اقتنعت عناصر من حركات الأقليات المضطهدة والتي غابت من الخريطة الجيوسياسية بأنه حان الوقت لتحقيق المطامح الوطنية. واختار العديد من هؤلاء العناصر العنف والتخويف والإرهاب كمنهج للقيام بكفاحهم ونضالهم والتعريف بقضيتهم ووضعهم للقوى الدولية بهدف كسب ودها وتعاطفها. في أوروبا، على سبيل المثال، استعمل الأيرلنديون والمقدونيون منهج العمليات الإرهابية كجزء من صراعهم من أجل الاستقلال فكان النجاح حليف الأيرلنديين، أما المقدونيون فقد فشلوا. شهدت فترة الحربين تصاعد الحركات التحررية في مختلف بقاع العالم، حيث استعملت هذه الحركات كحقها الشرعي القوة والعنف والاغتيالات والترهيب والتخويف من أجل تحقيق استقلالها ما دام أن معظم الطرق السلمية الأخرى لم تجد آذانا صاغية من قبل المستعمر الغاشم. في هذه المرحلة من التاريخ وبعد الحرب العالمية الثانية شهد العالم حربا باردة بين الكتلة الغربية والكتلة الشرقية. وكان الاتحاد السوفييتي قطب الكتلة الشرقية يقدم كل ما أوتي من قوة من أسلحة وعتاد وتدريب للحركات التحررية التي تناضل من أجل استرداد أرضها وسيادتها وحريتها. أهم ما يميز الإرهاب في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة هو تدويل الإرهاب، وهذا من خلال التعاون الدولي بين العديد من المجموعات الإرهابية وكذلك إقامة شبكات قوية عبر القارات لهذه المجموعات من أجل التمويل والتدريب وتوفير الوسائل اللوجستية والأسلحة والأموال إلى غير ذلك. ستبقى أحداث 11 سبتمبر 2001، من دون أدنى شك، الحدث الإرهابي الأهم في هذا القرن وهذا نظرا لعدة اعتبارات من أهمها عدد الضحايا وطريقة التنفيذ ودقة التخطيط والبلد المستهدف وهو الدولة الأعظم والأقوى في العالم. دلالات أحداث 11/9 تشير إلى قراءة جديدة للإرهاب في القرن الحادي والعشرين حيث إنه يهدد ويصل إلى أي دولة في العالم بغض النظر عن قوتها وحجمها وخبرتها في الأمن القومي والدفاع عن نفسها. فالرسالة واضحة وهي أنه لا توجد دولة في العالم بمنأى عن الإرهاب. ضرب الإرهاب كذلك في السنوات الأخيرة الهند (البرلمان) إندونيسيا (بالي)، بريطانيا (مترو الأنفاق في لندن)، إسبانيا (القطار في مدريد) ومومباي في الهند (فنادق ومحطة القطار). أما مركز العمليات الدولي للإرهاب هذه الأيام فهو يتمحور بين العراق، سوريا، باكستان، أفغانستان. نظرا للرهانات والتحديات والتداعيات التي يحتويها الإرهاب فإنه كان دائما محل مساومات واستخدامات العديد من الدول في العالم، فحتى قبل الحرب العالمية الأولى كانت هناك قوى سياسية تستخدم الإرهاب لتحقيق أهدافها ولدعم ومساندة طرف ضد طرف آخر. وخير مثال على ذلك المسؤولون في الحكومة والجيش الصربي الذين كانوا يدعمون ويدربون ويسلحون المجموعات البلقانية المختلفة التي كانت تنشط قبل اغتيال الدوك "فرانز فرديناند" عام 1914 في سراجيفو. كما يرى والتر لاكور أن الحكومة البلغارية استعملت "المنظمة المقدونية الثورية" ضد يوغوسلافيا وضد الأعداء المحليين. إن ظاهرة إرهاب الدولة ليست وليدة البارحة وليست جديدة على المجتمع الدولي. حيث يرجع مصطلح "إرهاب الدولة" إلى أنظمة الرعب التي أفرزت الثورات الكبرى مثل إرهاب "ماكسيميليان روبسبيار" و"ستالين" وسلوكيات الدول الشمولية والسلطوية والعنصرية كالجرائم التي أرتكبها "هتلر" ونظامه في ألمانيا، وموسوليني في إيطاليا الفاشية، و"عيدي أمين" في أوغندا، و"موبوتو" في زائير، و"بوكاسا" في إفريقيا الوسطى و"بول بوت" في كمبوديا، وممارسات الدكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية بتوجيهات ودعم وكالة المخابرات الأمريكية، وإرهاب الدولة الذي يمارسه الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني. هذا لا يعني أن الدول الديمقراطية لا تمارس الإرهاب ولا تستعمله، بل إنها تمارسه بحجة أنها تحارب الإرهاب أو تحمي مصالحها وأمنها. فالحرب القائمة على الإرهاب هذه الأيام ما هي إلا مكافحة الإرهاب بالإرهاب، فهي إرهاب في آخر المطاف وهي تناقض صارخ مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وما حصل في أفغانستان والعراق وجوانتنامو وباكستان لخير دليل على ذلك. فأمريكا تصدر سنويا قائمة بالدول التي ترعى الإرهاب حسب معاييرها ومقاييسها ووفق تطور علاقاتها مع هذه الدول بالسلب أو بالإيجاب، وهذه القائمة تتبناها العديد من الدول مقتنعة بذلك أم مرغمة. وهكذا أصبح الإرهاب متغيرا أساسيا في العلاقات الدولية وأصبح أداة في يد الدول الفاعلة في النظام الدولي لتحقيق مصالحها وأهدافها. وعملا بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فهناك العديد من الدول، البعض منها يدعي الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، يستعمل الإرهاب كجهاز وإدارة مثل مؤسسات الدولة الأخرى لكن في السر والخفاء. يقول الدكتور عبيدات في هذا الشأن "إن فهم ظاهرة إرهاب الدولة يتطلب فهم أجهزتها الاستخبارية التي تقوم سرا بما عجزت عن تحقيقه الدولة علنا أو الذي لا ترغب الدولة بأن يُنسب إليها مباشرة كتمويل بعض المنظمات الموجودة في دول أخرى لاستخدامها كوسيلة للتخريب أو الضغط، أو للتصفيات الجسدية كما عملت فرنسا حينما دعمت منظمة "الجيش السري" لتفتك بحركة التحرير الوطني الجزائرية". يكتسي الإرهاب في عالم اليوم أهمية كبرى في المحافل الدولية والعلاقات بين الشعوب والأمم وأصبح أداة محورية من أدوات السياسة والدبلوماسية والعلاقات الدولية. لقد غيرت أحداث سبتمبر 2001 مفهوم التاريخ والأمن القومي والاستراتيجي ومنذ ذلك الحين أصبح الإرهاب يرتبط بفكرة أنه لا أحد في هذا الكون بمنأى عنه والأخطر من هذا أن الخوف الآن يرتكز حول إمكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل من قبل المجموعات الإرهابية. وما زاد في المشكلة تعقيدا وخطورة هو أن نظرة الولايات المتحدة للإرهاب ومكافحته نظرة ضيقة، مركزية الذات والهوية، ذات أبعاد محلية وداخلية، بعيدة عن الموضوعية والبعد الدولي. فالإرهاب لا يتحدد في أسامة بن لادن والقاعدة ولا ينتهي عند طالبان وداعش؛ كما أن محاربة الإرهاب بالإرهاب لا جدوى من ورائها، أضف إلى ذلك أن القوى العظمى في النظام العالمي لا ترى في حلول الإرهاب (الأسباب والجذور)، بل تركز على القشور وعلى الانعكاسات والنتائج والحلول التجميلية الظرفية التي سرعان ما تختفي ويعود الإرهاب من جديد كالنار من تحت الرماد. وهذا ما نلاحظه هذه الأيام مع ظاهرة "داعش". ما يعني أن المنظومة الدولية مطالبة بإعادة النظر في التعامل مع الظاهرة وفي عقد مؤتمرات ومنتديات دولية صريحة وموضوعية وهادفة من أجل أمن واستقرار البشرية جمعاء ومن أجل التعاون والتكامل بدلا من الصراعات والنزاعات التي توفر الأرض الخصبة لانتشار الإرهاب وعدم القدرة على مكافحته وإيجاد الحلول الناجعة للحد منه. فاستمرار القاعدة وظهور "داعش" بالقوة والخطورة التي يشاهدها ويلاحظها العالم بأسره ما هو إلا خير دليل على فشل القوى العظمى والفاعلة في العالم في التعامل بفاعلية ونجاح مع ظاهرة الإرهاب وعدم القدرة على احتوائه والقضاء عليه.