12 سبتمبر 2025
تسجيلرغم مقولة المرشد العام للإخوان المسلمين وهو ينادي عبر منصة رابعة في وجدان الشعوب (سلميتنا أقوى من الرصاص) ورغم أنه اعتقل دون أدنى مقاومة، ورغم أنهم يعلنون استنكارهم لكل عمليات التفجير والقتل المشبوهة في مصر تحديدا.. رغم كل ذلك فالبعض يصر على وصم الإخوان بالإرهاب وعدم السلمية.. في مقابل أصوات ودعوات أخرى تنطلق تطالبهم بترك السلمية على أنها سلبية وضعف لا تليق بهم ولا بعقيدتهم ولا بتاريخهم وإمكاناتهم، وعلى أنها نوع من التخلي عن الشعوب التي وثقت بهم وهي تُقتَل اليوم وتُسجَن على ذمتهم وذمة مشروعهم..ذلك يطرح التساؤل عن الحدود الفاصلة بين السلمية والضعف في فهم ومنهج الإخوان، وعن الفرق بين السلمية كخيار وكضرورة، وعن بديلها من العنف والمواجهة المسلحة إن كان خيارا أم ضرورة.. وأقول : بالاستقراء ومراجعة أهم الأحداث ومراحل تطور دعوة " الإخوان المسلمون " وما يقولونه عن أنفسهم وما يقوله عنهم خصومهم، وبالمقارنة مع منافسيهم داخل البيت الإسلامي والبيت الوطني والمحيط الإنساني فإن جملة اعتبارات تحكم وتحدد منحى الإخوان سلما وحربا.. ومن أهم ذلك :1- يرى الإخوان أن الخلاف في وجهات النظر حول أي فكرة مهما عظمت أو صغرت هو أمر متوقع ومقبول ؛ ولكن على طرفي أي خلاف أن يبحثا عن أوسع مساحة للاتفاق وأن يديرا خلافاتهما بطريقة صحيحة، وأن يتحاكما للثابت من النص الشرعي الصحيح المنضبط أو للتجربة المطردة أو للواقع الذي تقره الحواس أو لمفهوم أخلاقي متفق على أنه أساس.. وألا يلجآ للمخارج والمراوغات.2- والإخوان يقدمون البحث عن الجوامع المشتركة الصحيحة بينهم وبين الخصوم والمخالفين، وبين النصوص والفهوم المتعارضة، ويضعون لذلك آليات وفنّيات مقررة في كتبهم ونشراتهم مستقاة من كتب الأصول. 3- والإخوان يقررون على أنفسهم أنهم دعاة لا قضاة ؛ وبهذه العبارة عنون مرشدهم الثاني " حسن الهضيبي رحمه الله " كتابا صدره لهم يتربون عليه، وهم يعتقدون أن امتلاك واستخدام القوة الإكراهية هو خصوصية للدولة. 4- والإخوان يجتهدون في فهم الواقع لينزلوا عليه النصوص بطريقة صحيحة.. وهذه قاعدة أصولية يعبر عنها الأصوليون وأهل الاختصاص الشرعي ب" تحقيق المناط " وهو ما لا يتنبه له كثيرون ممن يتعاطون مع الأحكام الشرعية والفكر الإسلامي بظواهر النصوص وشكليات المواقف.. وناتج هذا الاتجاه العلمي والموضوعي هو الذي وسع نظرتهم لفقه التوازنات وهوامش التنازلات وتقديم الأولويات وتقبل الخلافات ما لا يحسنه كثيرون ممن يحملون ذات الفكر..5- والإخوان يحرصون على أن يظل الاحترام ومحاسن الأخلاق والحرص على الصورة الحضارية لدينهم وأخلاقهم هي الأوْلى من الانتصار بالجدل وإحراج الخصوم، ويعتبرون ذلك الامتحان الحقيقي للشرف والرزانة والتسامح.. 6- بقدر ما الإخوان سلميون مع أبناء الجلدة فهم يأخذون بالعزيمة والقوة وأعلى ما يستطيعون من قوة في مواجهة الأعداء الغازين الخارجيين.. وقد رأينا كيف يحققون الانتصارات التي تسوء وجه الغازين ووجوه آخرين من دونهم.. 7- سلمية الإخوان لم تعط فرصتها لتبرهن على صحة اعتمادها ؛ ورغم ذلك فما حققته حتى الآن من عائد سياسي وانتشاري وقبل ذلك من سلامة الدين كان كافيا للقناعة بها وتمنهجها..8- السياسة والجهاد وحتى الحكم ذاته كلها لدى الإخوان ومن قبل ذلك في نظر الإسلام مجرد وسائل لتحقيق العبودية لله تعالى وسبيل لتحكيم الشرع وإسعاد للخلق وليست هي غايات في حد ذاتها، ولذلك يرى الإخوان أن مشروعهم يمتد داخل الحكم وخارجه ويتجاوز جيلا وجيلين وعشرة أجيال، ولا يغامرون بمحصلاتهم وقناعة الناس بهم ولا يغرقون في اللحظة ولا يتحركون تحت ضغط النزق وردة الفعل. 9- الإخوان يرون أنفسهم الأحرص على الأوطان وعلى الإسلام ؛ فيضحون ببعض المكتسبات الشخصية والحزبية – ضمن حسابات دقيقة وموضوعية – في مقابل ألا ينشغلوا أو يشغلوا الأوطان بالصراعات العنيفة وألا يشوهوا صورة المشروع أن يوصم بالإرهاب وصورة الإسلام أن يوصم بالدموية . 10- والإخوان يرون أعدائهم وخصومهم تجتمع لهم جيوش رسمية ومئات آلاف من البلطجية والشبيحة ويرون عقول الدهماء والغوغاء تمسخها أجهزة إعلام خبيث ومشايخ ورتب علمية ودينية مفتونة، ويرون يؤازر كل هؤلاء دعم خارجي إقليمي وعالمي لم يعد سريا أو جزئيا.. ولذلك وبنظرة موضوعية وتواضعية لا يجدون أنفسهم مضطرين لمواجهة كل هؤلاء جميعا خاصة عندما ينحو كثير من الوطنيين الثوريين والإسلاميين المخلصين للتخلي عنهم فضلا عن أن يتأوطروا ضدهم.. آخر القول : حسابات الإخوان في السلمية والعنف ليست شخصية ولا حزبية ولا مرحلية ؛ ولا ردة فعل ولا حالة نزق.. فالإخوان فكرة كبيرة وجماعة واعية وتجربة عريضة ومشروع ممتد، وبوصلتهم دائما باتجاه حماية الإسلام وسمعته ووسطيته التي تم تدمير جزء منها بسبب الخلافات العمياء والعنف العبثي التهوري من منسوبين بصدق أو بكذب للأسلمة.. ذلك هو الذي جعل الإخوان ملء السمع والبصر والاحترام عند المنصفين حتى من أعدائهم.