13 سبتمبر 2025
تسجيلتحديد الأهداف في الحياة شيء مُجمع على لزومه للإنسان، بيْد أننا كثيرا ما نخلط بين الهدف والأحلام، فالأحلام بحرها واسع قد تتجاوز حيز المعقول والممكن ولا تحكمها ضوابط، أما الهدف فهو محكوم بمعايير وضوابط حتى يكون هدفا فعالا وليس أمنية يطلقها المرء سرًا أو جهرًا. وليس كل شيء يصلح أن يكون هدفا، وليس الهدف حالة شعورية معزولة عن عامل الوقت، لذلك لابد وأن يتسم الهدف بخصائص معينة حتى يكون فعالا: أولا: المشروعية بمعنى أن يتفق الهدف مع التشريع الإلهي، فكل هدف محرم وبال على صاحبه في الدنيا والآخرة، فإنْ يكون هدف المرء إنشاء مصنع للخمور، فعليه تبعات ذلك الأمر في حياته وبعد مماته، لذلك يقول د.عبد الكريم بكار: «الذين لا يأبهون لشرعية الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها يحيون حياة مضطربة ممزقة، تختلط فيها عوامل البناء بعوامل الهدم، الهدف غير المشروع قد يساعد على تحقيق بعض النمو في جانب من جوانب الحياة، لكنه يحط من التوازن العام للشخصية، ويفجر في داخلها صراعات مبهمة وعنيفة». ثانيا: الدقة والوضوح: لابد وأن يكون الهدف واضحا ومحددا، لا غموض فيه، فلا يصح مثلا أن يكون الهدف الحصول على وظيفة مرموقة دون تحديد، لكن تقول مثلا: هدفي أن أكون مديرا لإحدى شركات الاستثمار العقاري. يقول صاحب كتاب «حتى لا تكون كلًّا»: «من وضوح الهدف أن يكون إيجابيا لا سلبيا، أي تحدد ما تريده بوضوح، إذ أن من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس عند سؤاله عن هدف أنه يذكر لك ما لا يريده، أما ما يريده فهو غير واضح في ذهنه، أو لم يفكر فيه أصلا، ومن وضوح الهدف أن تتخيل أكبر قدر ممكن من تفاصيله كأنه منجز متحقق حاصل بين يديك». ثالثا: القابلية للتقويم والقياس فالرياضي الذي يريد اكتساب سرعة فائقة، يحدّد مسافة العدْو التي يقطعها بوقت محدد يوميا، ليستطيع مع الوقت قطع نفس المسافة في فترة زمنية أقل، وبهذا يخضع هدفه للقياس والتقويم، ما يمنحه القدرة على تحقيقه، حيث إنه كلما أدرك مدى التقدم الذي يحرزه في تلك الخطوات صوب الهدف، ارتفعت معنوياته وزادت ثقته بنفسه. رابعًا: القابلية للتحقيق فالمرأة التي تهدف إلى إنقاص وزنها بمقدار خمسين كيلو في شهر واحد، تضع هدفا غير واقعي، فهذه السمنة تكونت خلال سنوات من تراكم الدهون في الجسم، وبالتالي لن ينقص وزنها على هذا النحو الذي تريد إلا بعد فترة طويلة من ممارسة نظام غذائي ورياضة تساعدها على ذلك. ومثل هذه المرأة تحكم على نفسها بالفشل، فالطبيعي أن يمر الشهر دون أن يتحقق هدفها، فتصاب بالإحباط، وربما عزفت بشكل كلي عن بذل الجهد لإنقاص الوزن. ومن طرائف ما يروى في ذلك، أن ملكاً أثناء عودته من رحلة بمملكته الشاسعة، شعر بألم في قدميه، فقرر أن يفرش طرقات المملكة بأسرها بالجلد لئلا تتورم قدماه ثانية، فقال له الوزير: يا سيدي لم لا تغطي قدميك بالجلد؟ فالأهداف لابد لها من واقعية وإمكانية. خامسًا: مراعاة الزمن يقول الدكتور إبراهيم الفقي: «لابد لهدفك من إطار زمني، فبالوقت يمكن أن تحقق أهدافك، بالضبط مثل السماء والنجوم تتحرك جميعها جنبا إلى جنب». فينبغي أن تكون للأهداف نقطة بداية ونقطة نهاية، بوضع فترات زمنية محددة لتحقيق الأهداف، كمن يريد تعلم أساسيات البرمجة مثلا، لابد أن يضع خطة تتضمن جدولا زمنيا محددا لإنجاز هذا الهدف، أما وضع أهداف دون وضع إطار زمني لها، فهو مجرد أمنيات.ومراعاة الزمن إنما ينبع من الشعور بقيمة الوقت، ولك أن تتخيل كيف ألف أبو الوفاء بن عقيل كتاب الفنون في 400 مجلد؟ كلمة السر في ذلك مراعاته للزمن، فهو يقول: «إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره «.تلك هي أبرز سمات الهدف الفعال، وإنما يلتزمها المرء لقناعته بأهمية هذا الهدف، وبغير الأهداف لا يحيا الإنسان، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.