14 سبتمبر 2025

تسجيل

الجزء الثاني من مسلسل الفدائي..له وعليه!

25 أغسطس 2016

في حدود متابعتي الجزئية لهذا المسلسل الذي بثه تلفزيون المقاومة الفلسطينية (الأقصى) في الفترة الأخيرة فإني أسجل إعجابي به دون تردد وأعتبره نقلة نوعية في الدراما الفلسطينية المقاومة من حيث النص والتمثيل واللباس والديكور والمؤثرات والإخراج..وذلك من زاويتين؛ زاوية مقارنته بما تعرضه شاشات تلفزيون السلطة الذي ينساح إلى المسلسلات وينداح في الأفلام التي لا تمت للمقاومة ولا لهذه القضية وتفاعلاتها الكبيرة بصلة؛ ثم زاوية أن الفن الإعلامي الفلسطيني كله مستجد لا تتوافر له الإمكانات التقنية والمادية والفنية كمثائله في الإعلام العربي. ولكن ثمة ملحوظات على هذا الجزء من المسلسل وجدتها في الجزء الأول منه وتكررت في هذا الجزء، كما وجدتها تكررت في أكثر الأعمال الفنية الأخرى التي تدور حول ذات مضمون (المقاومة) والتي جسدتها من قبل فضائيات ومؤسسات فنية عريقة وفنانون مشهود لهم بالبراعة والنجومية. هذه الملحوظات تتعلق بالجانب التثقيفي وبالرسالة القيمية التي يعالجها المسلسل، وهذا ما يعنيني وأظن أنني أفهم الحديث فيه..وأختصر فأقول: هي خمس ملحوظات. الملحوظة الأولى: أن المسلسل لم يمرر إلى ذهن المشاهد الصفات الموضوعية الثابتة للعدو الصهيوني (كالجبن والحرص على الحياة والتردد والكفر والنزوع للجدل والتشدد واحتقار وكراهية الأمم الأخرى - الأغيار القويم - وكالغدر بالمقربين والمسالمين) وهذه كلها خطوط أساسة يجب أن توجد وأن تؤكد وأن تكثف في كل عمل فني لتوطيد الصورة الذهنية الموضوعية لهم وتنميط هذه الصفات عنهم في وجدان الأمة. من الجدير ملاحظة أن العمل الفني - أي عمل فني والدراما تحديدا - ليس تقريرا سياسيا تطلب فيه الدقة الوصفية المطلقة، وإنما هو كراكاتور يركز على قيمة ويسوّق فكرة. الملحوظة الثانية: أن المسلسل ركز على الأحداث الأمنية المقاومية دون ربطها بسياقها السياسي (من الانقسام الفصائلي والجغرافي، وعبثية المفاوضات، والتنازلات الإستراتيجية التي قدمتها السلطة، والمعيقات الجيوسياسية واللوجيستية للمقاومة، وكالحصار على غزة، والتعقبات الأمنية التي تنسق لها السلطة..) أو بسياقها المجتمعي والتربوي (بالمساجد، والبلديات، وشيوخ العشائر، ومراكز التعليم والتوجيه، وسلوك الحياة الاعتيادي وحياة الأسواق والترفيه.. إلخ) . الملحوظة الثالثة: أنه ركز على بطولة الأشخاص ولم يركز على بطولة الحركة والتنظيم والوطن ككل فسقط منه ما يتعلق بخطورة تناقض البرامج وبالرسالة الوطنية وبالتشكيلات السياسية الرسمية والفصائلية. ربما كان السبب في ذلك أن المسلسل جاء أقرب لتوثيق مرحلة بعينها (المقاومة في مطالع التسعينيات) لكن ذلك يفترض أن لا يمنع من صناعة خلفية سياسية له تتعلق على الأقل بمقدمات تلك المرحلة فبعضها موجود أصلا منذ أن صارت القضية قضية. والملحوظة الرابعة: أن المسلسل سلط الضوء على الأحداث العسكرية والأمنية وأغفل كثيرا تلك الأسماء الكبيرة التي عايشت تلك الأحداث ووفرت لها الغطاءات الشرعية والوطنية واستثمرت فيها نقلت المقاومة نقلات هائلة والتي حقها على شعبها وعلى أي عمل فني أن يقر بأثرها وفضلها وأن ينصّبها نموذجا تتربى عليه الأجيال (أمثال الشيخ ياسين وصلاح شحادة والرنتيسي والمقادمة والزهار والجمالين في نابلس وأبو هنّود.. إلخ). الملحوظة الخامسة: أن المسلسل لم يعالج الكم الهائل والحثيث من الإشاعات التي يطلقها خصوم "المقاومة" عليها زورا وكذبا مثل التهمة (بالتشيع، والارتهان للمحاور الخارج الفلسطينية، وأن أيديولوجيتها مغلقة، وأنها تتفاوض سرا مع العدو، وأنها تسعى لسرقة ميراث منظمة التحرير، وأنها ناشزة عن الحالة السياسية الفلسطينية، وأن جهادها يجرجر إلى التهلكة، وأنها المسؤولة عن الانقسام..) فهذه كلها قيم لا بد من إعادة غسلها ولا تقل أثرا عن مضمون المقاومة العسكرية بل قد تزيد في بعض العناوين. ولا أعتقد أن مسلسلا مقاوما كهذا يقف عند شروط ومحددات التسويق التجاري كما تفعل التلفزيونات والفضائيات الرسمية لكي يتوقف عن طرح هذه الجوانب. آخر القول: مسلسل الفدائي (2) من بواكير العمل الفني المقاوم الذي دخل الساحة ذات يوم كتوثيق لمعركة أو لمرحلة ولكنه شكل نقلة نوعية تمتاز بالجدية والهدفية.. ولكنه ككل عمل بشري مبتدئ يعتريه بعض النقص ويحتاج لتصويب وتعديل دون أن يقلل ذلك من قيمة الفكرة والاتجاه إليها.