31 أكتوبر 2025

تسجيل

تركيا والحرائق المجاورة

25 يوليو 2015

مهما حاولت تركيا أن تنأى بنفسها عن المشاكل في الدول العربية المجاورة فإنه ليس بإمكانها ذلك لاعتبارات تاريخية وجيوسياسية وإثنية . وتثبت الأحداث يوما بعد يوم أن سحب البلاد نحو دوامة الصراعات الدائرة في المنطقة أسرع مما كان متوقعاً . وإذا ما انزلقت فإنه من الصعوبة التنبؤ بالمسارات التي ستسلكها تلك الصراعات داخل هذا البلد اليافع والمتنوع والمستهدف إقليميا ودولياً، لا سيما أن هذه التحديات تأتي بعد انتهاء تفرد العدالة والتنمية في الحكم الذي دام عقدا ونيفا إذ بات مجبراً على مشاركة قوى سياسية أخرى رغم كل التباين والتحديات غير المسبوقة التي تعيشها البلاد. الهجوم الذي ضرب مدينة سوروج في الجنوب عرّى كثيراً من الواقع المستتر، فمنفذ الهجوم شاب تركي في العشرين من العمر، التحق بتنظيم داعش قبل شهرين من العملية بحسب الجهات الأمنية التركية. وإذا ما استثنينا الحوادث السابقة ذات الأهداف التخريبية الخالصة، يتضح أن عملية سوروج كانت تحمل أبعاداً استراتيجية . فقبل التفجير بأيام نشر الموقع الرسمي لتنظيم داعش الناطق بالتركية، والذي يدار من ولاية الرقة تهديدا للدولة التركية، اتهمها بقمع المسلمين، والتضييق على المهاجرين إلى دولة الإسلام، وذلك عقب اعتقال الحكومة التركية العشرات من المشتبه بهم. كما أن الهجوم استهدف مجموعة كردية كانت تحاول جمع الأموال لإعادة إعمار عين العرب كوباني . وبهذا الفعل أراد داعش تحقيق عدد من الأهداف. منها تعويض لثأر مع الأكراد كونهم أول من هزم التنظيم في عين العرب كوباني، وينظر داعش إلى غالبية الأحزاب الكردية ومؤيديها باعتبارهم جواسيس وعملاء لأعداء الأمة. ويتزامن توقيت التفجير مع حالة النشوة التي تعيشها القومية الكردية بعد النصر التاريخي الذي تجسد في فوزهم لأول مرة بهذا العدد من النواب في البرلمان التركي والذي أحدث قلقا قوميا تركيا من نزعات الانفصال. وما زاد من منسوب القلق كانت تصريحات صلاح الدين ديمرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الذي دعا الأكراد إلى اتخاذ تدابير أمنية خاصة، فُهمت من القوميين الأتراك أنها دعوة للتسلح على حساب الدولة. وفي الوقت الذي اتهمت فيه الرئاسة التركية معارضين باستغلال تفجيرات سوروج لغايات سياسية. فإن داعش أراد إثارة النعرة العرقية في تركيا لأن هذا يساعده على التمدد في المنطقة، فضلاً عن النية المبيتة باستهداف تركيا، وهو ما يؤكده أسامة عبد الله عزام في مذكراته التي ينشرها عبر تويتر من واقع علمه وقربه من الشخصيات المعنية أن أبرز الخلافات بين داعش والنصرة قبل الانفصال هو رغبة البغدادي تنفيذ تفجيرات في العمق التركي عام 2012 وهو ما رفضت جبهة النصرة تنفيذه لاعتبارات فقهية كما يقول الراوي. علماً أن تركيا أوقفت 24 ألف مهاجر غير شرعي عام 2014 باتجاه الدول الأوروبية، كما أنها قامت بترحيل 1600 مواطن أجنبي على صلة بداعش منذ العام 2013 وهو العام التي صنف فيها التنظيم بأنه إرهابي . ولعل القلق التركي المتزايد من انزلاق البلاد نحو صراعات دول الجوار دفع رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو للتأكيد أن تركيا لن تسمح بأن تتصدر أزمات دول الجوار إليها. وأنها ستنظر في التدابير الأمنية الإضافية التي ستُتخذ في الجنوب، وإعداد خطة عمل بالترتيبات الأمنية على حدود البلاد. وهو ما يعيد طرح فرضية التدخل في سوريا وإنشاء منطقة عازلة تمتد على مساحة 110 كلم مربع .هذه المنطقة العازلة بحسب دراسة أعدها مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتجية تحتاج إلى 40 ألف جندي مجهزين بأحدث الأجهزة، لكن في المقابل سيجعل تركيا هدفاً لكل التنظيمات التي تتقاتل في سوريا، كما ستعاني فراغاً أمنيا كبيرا في الداخل، فضلاً عن ضبابية الرؤية تجاه من ستقاتل في سوريا هل داعش أم الأكراد، وإن كان إمكانية تشكل دولة أكردية في شرق تركيا أمراً لا يمكن تجاهله لفترة طويلة.