19 سبتمبر 2025
تسجيلأسفرت مجزرة سوروتش في تركيا المقابلة لمدينة عين العرب كوباني على الجانب السوري من الحدود عن مقتل 32 مواطنا تركيا كلهم من عمر الشباب وجامعيون وأكثر من مئة جريح بإصابات بعضها خطير.. لكن المجزرة التي كانت نتيجة تفجير انتحاري ألحقت من الأذى باستقرار تركيا وصورتها ما يتجاوز حجم الكارثة البشرية المؤلمة جدا بجميع الأحوال. تفجير سوروتش ليس كما قبله، وبالتالي فإن بعده ستكون له تداعيات سياسية وربما خارجية وأمنية. لم يكن داعش كتنظيم وازن يسيطر على مساحات واسعة من سوريا أو العراق قد ظهر بعد عندما حدث تفجير الريحانية في العام 2013 وقتل فيه 52 مواطنا. ورغم احتجاز التنظيم المتشدد للدبلوماسيين الأتراك في قنصلية الموصل في يونيو 2014 فإنه لم يتعرض لهم وسرعان ما أطلق سراحهم بعد فترة. وغالبا ما كانت صورة تركيا السائدة في وسائل الإعلام هي أنها تدعم أي تنظيم أيا كان توجهه أو تشدده ما دامت وجهة حربه هي إسقاط النظام في سوريا. ووسائل الإعلام الغربية ولا سيما الأمريكية والإنجليزية ممتلئة بالتقارير التي تعكس هذه الصورة لتركيا. ولا يغيب عن بال المسؤولين الأمريكيين تحديدا تذكير الأتراك بضرورة أن يكونوا أكثر جدية في ضبط الحدود ومنع تسلل المقاتلين الأجانب إلى سوريا فالعراق . تفجير سوروتش نقل مستوى التعامل التركي مع "داعش" إلى مرحلة جديدة. فللمرة الأولى يعلن رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو وبعد ساعات قليلة جدا من التفجير أن الأصابع تشير إلى أن داعش هي وراء التفجير الانتحاري. ومن بعدها بيومين باتت أنقرة على يقين من شكوكها. كذلك فإنها المرة الأولى التي يعلن فيها داود أوغلو أن داعش تهديد لتركيا. بل أكثر من ذلك فإنه للمرة يقول إن داعش تهديد أيضا لسوريا. أين يمكن أن يصرف هذا الكلام؟ هل يعني ذلك أن أنقرة على عتبة تغيير في سياساتها السورية والعراقية على اعتبار أن "داعش" موجود فيهما ومباشرة على الحدود التركية؟ تزداد الضغوط الداخلية على حكومة حزب العدالة والتنمية من أجل تغيير سياساتها الشرق أوسطية. وقد ارتفعت في الأيام الأخيرة أصوات لها اعتبارها في الداخل في هذا الصدد. الرئيس التركي السابق عبدالله غول يقول إن سياسة تركيا غير واقعية ويجب أن تعود إلى سياسة المسافة الواحدة من الجميع في المنطقة. رئيس الأركان السابق الجنرال إيلكير باشبوغ يدعو إلى التواصل مع الدولة السورية. أول وزير خارجية في عهد حزب العدالة والتنمية ياشار ياقيش يواصل دعوته إلى التخلي عن سياسة دعم المعارضة السورية والعمل على إيجاد حل سياسي في سوريا. أما المعارضة السياسية فموقفها معروف ولا حاجة لتكراره. الحريق السوري وصل هذه المرة إلى الداخل التركي. لقد كانت الاتهامات توجه عادة إلى النظام السوري بالوقوف وراء تفجيرات في الداخل التركي. هذه المرة لم يحدث ذلك. الاتهام كان إلى "داعش". هل يعني ذلك أن هناك استشعارا ابخطورة لتوترات في سوريا على الداخل التركي؟ أم إن هناك محاولات لاستثمار هذه الاتهامات في اتجاه تغيير صورة تركيا السلبية في الغرب؟ إن تفجير الريحانية يفترض أن يعيد ترتيب علاقة تركيا مع التنظيمات المتشددة في سوريا والمنطقة لأن التفجير في النهاية حصل في تركيا وضحاياه مواطنون أتراك ومؤيدون للحركة الكردية في تركيا وفي سوريا. ومن دون اتخاذ تدابير صارمة لمواجهة تهديد "داعش" فإن الحكومة ستكون في مأزق يزيد من التوتر العرقي بين الأتراك والأكراد. هنا لا يجب فصل هذه التطورات عن الأزمة السياسية في الداخل ومحاولة تشكيل حكومة جديدة ائتلافية.. إذ إن مسار هذه المحاولات سيعكس ما إذا كانت الحكومة كما أحزاب المعارضة قد تبلغوا رسالة التفجير الانتحاري في سوروتش أم لا...