13 سبتمبر 2025

تسجيل

عمر وشريح القاضي (2)

25 يوليو 2014

كان سيدنا عمر بن الخطاب يدقق في اختيار من يتولى المناصب، وكان أكثر تحريا في اختيار منصب القاضي، وكانت بداية معرفته بشريح القاضي من هذا الموقف، حيث اشترى عمر بن الخطاب فرسا ودفع ثمنه. ثم وجد فيه بعدها بقليل عيبا، حيث إن بالفرس عرجا، قال البائع الأعرابي: إنه كان سليماً، فردّ أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب أن اختر من شئت ليحكم في الأمر. فاختار الأعرابيّ شريحاً. ولم يعرفه عمر، فدعاه إلى بيته ليحكم فرفض شريح. فقال شريح لعمر: «خذ ما ابتعت أو ردّ ما اشتريت» فردّ عمر "والله هكذا القضاء - قول فصل وحكم عدل."إن عمر حتى هذه اللحظة لم يعرف شريحا، ولكن حكمه أعجبه، حيث رفض القاضي أن يذهب إلى عمر، فالقاضي لا يذهب إلى أحد الخصمين، وإجراءات المحاكمة ينبغي أن تتسم بالعدل فلا تمييز لأحد الخصمين على الآخر، ثم إن شريحا أطلق حكمه واضحا لا لبس فيه بين الخصمين.ومن هذه اللحظة أراد أن يتعرف إلى هذا القاضي العادل، فسأله عمر من أين تعلّمت العدل؟ فأجابه «من سورة ص» فسأله «وماذا فيها»؟ فأجابه بقوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ، قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ، فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) [ص 21—25].فشرح أنّهما لمّا تسوّرا المحراب لم يكن داوود مستعدّاً للقضاء، ففزع منهما، فلم يأت بالحكم الصحيح. فطلب من عمر أنه لا بدّ من دار متخصّصة مستقلة للقضاء - وكان قبلها القاضي يحكم من داره. وهنالك ولّاه عمر قضاء الكوفة قائلاً: «اذهب فقد ولّيتك قضاء الكوفة». فوافق شرط أن يجعل في الكوفة دارا مستقلة للقضاء - فجعل عمر ذلك في الكوفة وفي كلّ الأمصار والبلاد التي تحت حكمه.وهنا نلحظ أن القضاء بات مؤسسة مستقلة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبسبب شريح القاضي، ورغم تقدير عمر لشريح القاضي رضي الله عنه وعلمه في القضاء إلا أن سيدنا عمر كعادته في وصايا عماله لم ينسه من وصاته التي تعد خطاب تكليف جاء فيه: (إذا أتاك أمر في كتاب الله، فأقض بهِ، فإن لم يكن في كتاب الله وكان في سنة رسول الله—فاقض به ، فإن لم يكن فيهما فاقض بما قضى به أئمة الهدى، فإن لم يكن فأنت بالخيار إن شئت تجتهد رأيك وإن شئت تؤامرني، ولا أرى مؤامرتك إياي إلا أسلمُ لك). ولاه عمر بن الخطاب قضاء الكوفة على مائة درهم، وظل قاضيها ستين سنة ووفد زمن معاوية بن أبي سفيان إلى دمشق ولما عزله عبد الله بن الزبير عن القضاء أعاده الحجاج بن يوسف الثقفي بعدها وتولى قضاء البصرة عاما واحدا.وإذا فسننتقل من قضاء شريح غير الرسمي إلى قضائه في الدولة الإسلامية حيث منصب القضاء الذي تولاه ستين سنة، وسنواصل الحديث عنها غدا إن شاء الله