19 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); شكل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فرصة ذهبية للرئيس عبدالفتاح السيسي لتعزيز موقعه ورفع رصيده الذي كاد يشهر إفلاسه. إلا أنه أخفق في الامتحان، وفوّت على نفسه فرصة تبديل صورته من شخصية عسكرية قادت انقلاباً على رئيس منتخب وسرق كرسي الرئاسة، إلى زعيم تهتف باسمه الشعوب العربية والإسلامية وتُرفع صوره في أرجاء المعمورة. لم يكن منتظراً من السيسي أن يأمر الجيش المصري بالزحف نحو غزة لمساندة شعبها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، علماً بأن ذلك سيكون التزاماً بالوعد الذي قطعه على نفسه بأن «مسافة السكة» هي فقط التي يحتاجها الجيش المصري لنجدة أشقائه العرب. كان المنتظر خطوات بسيطة وشكلية، بالتأكيد لن تساهم في دعم ومساندة قوى المقاومة، لكنها كفيلة برفع أسهم التأييد للسيسي من الوادي الذي تستقر فيه.فلو كنتُ مكان السيسي لسارعت بالاتصال بالحلفاء العرب، بعد التحايا والسلام والدعاء لهم بطول العمر، أستأذنهم القيام بسلسلة تحركات إزاء ما يجري في غزة، متعهداً بعدم الإقدام على أي خطوة تصب في صالح المقاومة. بعدها أقوم بالتواصل بعيداً عن الإعلام مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وأخبره أنني بصدد الإعلان عن موقف مؤيد للشعب الفلسطيني في غزة، وأنني سأندد بالعدوان على القطاع، وأنني سأتخذ سلسلة خطوات لن تساهم بدعم العدو المشترك (حركة حماس)، ولن تضر بالمصلحة الإسرائيلية أو تُخلّ بموازين القوى. بعدها أخرج في كلمة متلفزة مخاطباً الشعب المصري والشعوب العربية والإسلامية، أضع ورائي العلم المصري إلى جانب العلم الفلسطيني. أبدأ كلمتي بالترحم على الشهداء الفلسطينيين المدنيين وأقرأ سورة الفاتحة على أرواحهم. ثم أبدأ الحديث بنبرة حزينة عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، مستهدفاً الأطفال والنساء والشيوخ. بعدها أتوقف لحظات، وأغمض عينيّ بعصبية، وكأنني أغالب دموعاً تريد الانهمار. بعد العواطف الإنسانية الجياشة التي لابد منها للتأثير في الجماهير، يأتي وقت المواقف والخطوات العملية. فأؤكد أن موقف مصر من حركة حماس التي تدعم جماعة الإخوان المسلمين (الإرهابية) لم يتغيّر، لكنه لن يقف عائقاً أمام تقديم الدعم والمساندة للمدنيين الذين يذهبون ضحية الصراع بين إسرائيل وحماس. بناء عليه، أُعلن عن فتح معبر رفح بشكل كامل لإدخال المواد الطبية والإغاثية والغذائية، وأفتح المستشفيات المصرية لمعالجة الجرحى من المدنيين (دون المقاومين)، كما أطالب جامعة الدول العربية بعقد جلسة استثنائية في القاهرة لبحث سبل رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، وأدعو مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد بشكل طارئ لإصدار قرار يُلزم إسرائيل وقف عدوانها. بعد ذلك، يأتي الحديث عن المساعي السياسية الدؤوبة التي تبذلها مصر لإنهاء الحرب على غزة، وأؤكد أن مصر لن تتخلى عن دورها المحوري في أي اتفاق يتم التوصل إليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأكشف عن اتصالات غير مباشرة بواسطة القاهرة تتم بين إسرائيل وحركة حماس تمهيداً للتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة.كل ما سبق (في حال تنفيذه) يبقى مجرد كلام في الهواء وخطوات شكلية لن تسمن الشعب الفلسطيني، ولن تغنيه من جوع، ولن تحميه من حمم الصواريخ والقذائف الإسرائيلية. لكنها في المقابل ستعطي الرئيس المصري دفعة شعبية قوية يفتقدها في الشارعين المصري والعربي، وستمنحه اعترافاً يشكك فيه الكثيرون. اللافت أن المشير عبدالفتاح السيسي لم يستغلّ أحداث غزة، ولم يقدم على أي خطوة تساهم في تبييض صورته التي يملؤها السواد.هذا التقاعس يبحث عن مبرر لتفسيره. وهو يتناقض مع مقولة «مصر قد الدنيا» التي وعد بها السيسي المصريين. فالعالم كله يتحرك لإنهاء حمام الدم القائم في غزة، والنظام المصري يفاخر بإقفال معبر رفح أمام الشعب الفلسطيني، بعدما قدم مبادرة هزيلة صاغها الجانب الإسرائيلي.هذا التخاذل ربما يرجع إلى أن الرئيس المصري والفريق المحيط به لا يملكون الذكاء الكافي لاستغلال أحداث غزة، ومحاولة استرجاع الرصيد الشعبي الذي يتناقص. وربما يعود إلى أن عداء السيسي وفريقه الحاكم لجماعة الإخوان المسلمين ومعها حركة حماس أعمى بصيرته، وهو يظن أن استمرار العدوان الإسرائيلي يمكن أن يقضي على حماس وقوى المقاومة الأخرى التي تؤرق راحته وراحة إسرائيل. ومن الاحتمالات أيضاً أن حلفاء السيسي من العرب لا يريدون أن يخرج إليهم جمال عبدالناصر جديد، لذلك هم حريصون على إبقاء حليفهم ضعيفاً كي يبقى بحاجة إليهم، ولا يتحرك إلا بتوجيهاتهم. وهم يريدون كذلك إضعاف مصر، وإفقادها الدور المحوري الذي ينبغي بأرض الكنانة أن تلعبه.ما غاب عن بال السيسي وحلفائه أن العالم لا يقبل الفراغ. والدور الذي يُفترض بمصر القيام به وتخاذلت عنه، تقوم به قطر وتركيا والكثير من أحرار العالم.