25 سبتمبر 2025

تسجيل

هل عاد وهج الدولار؟

25 يوليو 2012

ربما تكون هنالك مفاجأة لبعض الناس من ناحية ارتفاع سعر صرف الدولار مؤخرا في الأسواق العالمية وتحديدا تجاه اليورو. كان سعر الصرف لمصلحة اليورو أي 1.13 في أول شهر من سنة 1999، ليصبح 0.84 في تشرين الأول 2000، ثم 1.36 في كانون الأول 2004 و 1.58 في أذار 2008 و 1.26 في شباط 2009 و 1.49 في تشرين الأول 2009 وليستقر في حدود 1.2 اليوم. هذه تقلبات كبيرة وتعكس درجة المخاطر في الاقتصاد الدولي. بدأت الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 في أمريكا وصدرت إلى أوروبا وبقية دول العالم بدرجات مختلفة. يشكل الدولار العمود الفقري للنظام المالي الذي تأسس في منتصف الأربعينات مع اتفاقية بروتون وودز. تبلغ صادرات السلع الأمريكية حوالي 10% من المجموع الدولي مقارنة بـ 16% للوحدة الأوروبية و 12% للصين. في حجم الناتج من العالمي، يتأرجح الأمريكي في حدود الخمس مقارنة بـ 30% للأوروبي وحوالي 7% للصيني. تصدر الولايات المتحدة الدولار وتحرك كتلتها النقدية تبعا لمصالحها وليس لمصلحة الاقتصاد الدولي. لا تحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على احتياطي نقدي كبير عندما يكون نقدها هو الأساسي دوليا. في المقارنة، يبلغ الاحتياطي النقدي بالدولار في أمريكا حوالي 50 مليار دولار، 350 مليار دولار في الوحدة الأوروبية و 2273 مليار دولار في الصين. هنالك الكثير من التباينات بين أمريكا وبقية دول العالم من حيث الهيكلية والأنظمة والقوانين والمصالح كما المؤسسات.  لم يعد الثقل الاقتصادي اليوم لأمريكا كما كان منذ نصف قرن، كما أن للدول الناشئة تأثيرا كبيرا على الاقتصاد ليس في المال فقط وإنما في التجارة أيضا. إذا كان هنالك من وجه إيجابي للأزمة فهو دعوة المجتمع الدولي إلى التفكير بنظام مالي ونقدي بديل يأخذ في الاعتبار تبدل القوى والعلاقات الدولية ويطبق تدريجيا. تقلب سعر صرف الدولار يشير إلى عدم استقرار النظام النقدي الدولي وإلى حيوية مدهشة للاقتصاد الأمريكي تسمح له بالتعافي والتحرك بسرعة وفعالية مدهشتين. منذ حكم الرئيس ريغان، تطور النموذج الأمريكي على ثابتة وهي الاقتراض الخارجي لتمويل السياسات المالية كما النمو الاقتصادي الداخلي. ارتكزت هذه السياسة على واقع يكمن في وجود ادخار كبير من قبل الدول الناشئة وتحديدا الصين كما من قبل اليابان وألمانيا ودول مجلس التعاون الخليجي سمح للاقتصاد الأمريكي بامتصاصه ليس للاستثمار وإنما للإنفاق العادي كما للاستهلاك. لم يكن لهذا الفائض المالي في أن يتحقق ولم يكن للنمو الاقتصادي العالمي في أن يكون مرتفعا لولا شهية الاستهلاك عند الأمريكيين التي فاقت الطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة. تراكمت الديون العامة والخاصة في أمريكا، فوقعت الخسائر ليس فقط في القطاع العام وإنما في حسابات الشركات والأفراد. هل تعلمت أمريكا من تجربة الأمس وهل تشير السياسات الجديدة إلى أي تغير في العقلية والممارسة والأهداف الاقتصادية؟ هنالك عوامل عدة تحدد قوة الدولار وتأتي من جوانب مختلفة تؤثر على الطلب والعرض وأحيانا على الاثنين معا: أولا:  النقد الأمريكي هو عملة صعبة أي نقد احتياط. لا تفقد أي عملة صعبة وهجها بسرعة والتجارب الماضية مع الليرة الإسترلينية كما مع الذهب تؤكد ذلك. شراء سندات الخزينة من قبل الخارج هو نتيجة لثقة العالم بالدولار وبالاقتصاد الأمريكي ولاعتقاده أن الدولار كما السندات تشكل ملجأ للقيمة.   ثانيا:  تشير الدراسات إلى وجود علاقة مباشرة بين صحة الاقتصاد الأمريكي وتقلبات سعر صرف الدولار. انحدر الدولار عندما تعثرت أمريكا، فلماذا يتحسن سعره اليوم مع بقاء الاقتصاد تحت العناية؟ الفضل لا يعود إلى أمريكا وإنما إلى صحة الاقتصاد الأوروبي كما البريطاني وغيرهما التي تعتبر متعثرة بل سيئة.   ثالثا:  يبقى الدولار النقد الرئيسي في احتياطي الدول، أي لم تتغير نسبته في المجموع منذ السبعينات.  تطورت حصة اليورو على حساب العملات الأخرى من يابانية وسويسرية وغيرها. لا شك أن الأزمة الأوروبية ستساهم في إبقاء الدولار النقد الأساسي في غياب بدائل، إذ أن اليابان ضعيفة والصين باعتمادها السعر الثابت للصرف غير راغبة في لعب الدور الدولي المناسب.   أولا:  ليس هنالك أي دليل على رغبة الولايات المتحدة في تغيير سياستها النقدية واعتماد سياسة الدولار القوي. الحكم الأمريكي راغب في إبقاء الدولار ضعيفا لتعزيز الصادرات، وتحسنه اليوم هو غصب عنه أي بسبب ضعف الآخرين.  بفضل هذه السياسة النقدية، انحدر العجز التجاري الأمريكي من 6% من الناتج في سنة 2006 إلى 4% اليوم. الصين مستفيدة من سياسة الدولار الضعيف لأن نقدها مثبت بالدولار وبقائه ضعيفا يناسب صادراتها. هنالك مصالح بل علاقة استراتيجية قوية وعميقة بين الصين وأمريكا. ثانيا:  من المتوقع أن يتطور النظام النقدي العالمي عبر إعطاء صوت أكبر للصين والدول الناشئة في المؤسسات الدولية الرئيسية كالبنك الدولي وصندوق النقد.   ثالثا:  ليس واضحا إذا كانت الدول المصدرة للنفط تستفيد أم تخسر من سياسة الدولار الضعيف بسبب العلاقة السلبية بين سعر برميل النفط وسعر صرف الدولار.   رابعا:  لم يعد الصراع الاقتصادي السياسي قائما اليوم بين دول الشمال والجنوب، بل أصبح ضمن كل من المجموعتين.  أولا حجم دول الجنوب العالمي كبر كثيرا وهو يفوق الـ 30% حاليا، وبالتالي لا يمكن موازاة الجنوب بالفقر والتأخر.  لم نعد نتكلم اليوم عن الدول السبع الكبرى، بل عن الدول العشرين وهذا تغيير في محله.   خامسا:  لن يتم إنقاذ الاقتصاد الدولي إلا عبر زيادة النمو.