13 سبتمبر 2025
تسجيلإنه لشيء جدير بالملاحظة، ذلك التباين الكبير بين ما نكون عليه عند الولادة، وبين ما نكون عليه عند الموت، المواليد جميعهم أطفال من درجة واحدة، حيث يمكن أن نتوقع لكل منهم أن يكون في المستقبل واحدا من العظماء، أو أن يكون متخلفا ذهنيا أو منحرفا أو مجرما، لكن هذه الإمكانيات تتلاشى مع الأيام ليصبح المجهول معلوما، ولتتجه الأنظار والتوقعات العظيمة إلى أناس دون الآخرين، رجال ونساء يغادرون هذه الدنيا وهم أعلام، تعلقت بهم القلوب.. وما ذلك إلا لأنهم في حياتهم لم يكونوا أشخاصا عاديين، وإنما كانوا دعاة أو فقهاء أو قادة أو حكماء، أو باذلين للمعروف ساعين في الخير.. إن الذين غادروا الحياة الدنيا أضعف ما فيهم هو (الجسد) أما عقولهم وأرواحهم وأمجادهم ومآثرهم والسنن الحسنة التي سنوها، والأيادي البيضاء التي أسدوها للناس، فإنها باقية في النفوس والقلوب ليعبر عنها أهل الوفاء بالثناء والدعاء جيلا بعد جيل ويتخذونهم نبراسا للاقتداء والتأسي. وإن ما ينتظرهم من كرم الله – سبحانه – في الآخرة هو أعظم بكثير مما نالوه في هذه الدنيا الفانية، ولكن ذلك بشكل مقدم الجزاء، وقد ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض". هذه هي القلة القليلة من الصفوة المنتقاة من عباد الله، أما السواد الأعظم من الناس فإنهم – مهما عاشوا – يمرون على هذه الحياة مرورا سريعا – وهم ما بين شخص يترك شيئا يندم عليه، وشخص لا يترك أي شيء! ولا تمر سنوات قليلة حتى ينساهم الصديق والقريب. قال صاحبي: ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لشبابنا؟ قلت: إنه يعني الآتي: أ – إن الذي يصنع الفرق بين الناس عند الموت ليس المال ولا النسب ولا القوة، ولكنه الاستقامة والعلم وحب الخير للناس، والأثر النافع، والمساهمة في إصلاح الأوضاع والأحوال، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر لإحقاق الحق. ب – في مقدرة كل إنسان أن يسير في طريق العظماء من خلال الجهد اليومي الذي يبذله في الميدان الصحيح والطريقة الصحيحة. جـ - لا يحتقر المرء نفسه، ولا يرضى بالقليل، فالكريم الجواد الغني الحميد هو رب العالمين، وقد يمنح للمتأخر شيئاً حجبه عن المتقدم. د – على المسلم دائما أن يتذكر ساعة الرحيل ويخطط دائما لأن يكون ما يقال عنه فيه شيئا عظيما، يرجو ثوابه عند الله تعالى.