19 سبتمبر 2025

تسجيل

دهاليز الحل السياسي في ليبيا

25 يوليو 2011

الأطراف المفترض أن تضمن حلا لم تعد مقتنعة بأن القذافي يمكن التعاقد معه في توقعات العديد من العواصم وكذلك المعارضة الليبية، كان يفترض أن يكون هذا الأسبوع الأخير من عمر نظام معمر القذافي، صدرت إشارات كثيرة إلى أن الأزمة ستحسم قبل بدء شهر رمضان المبارك، المفاجآت واردة، لكن القذافي لا يزال يناور رغم علمه أنه لم يعد قادرا على تغيير مسار الأحداث، لديه قوات في جيوب مهمة، كما في البريقة مثلا، أو على تخوم مصراتة وفي بعض مناطق الغرب، إلا أنه أصبح مخترقا في هذا الغرب، ولم يعد يسيطر فعلياً إلا على العاصمة طرابلس. إذا كان الحسم تأخر فلأن الثوار أو المعارضين يتعاملون مع حرب ومواجهة عسكرية فرضت عليهم، ولم يكونوا بأي حال مؤهلين لها رغم إدراكهم مسبقا أن النظام سيندفع إلى الإبادة والتقتيل ولن يعترف إطلاقا بأنه إزاء وضع ينبغي معالجته بالسياسة، ما فعلته حملة "الناتو"، هو حرمان النظام من فاعلية آلته الأمنية، ومن إمكان فرض أمر واقع لمصلحته، وفي الشهور الثلاثة الأخيرة طرأ تغيير جوهري على أداء مقاتلي المعارضة، فأصبحوا أكثر تنظيما وأفضل تسليحا، وبالتالي صاروا يأملون بأن يحسموا الأمر على الأرض، صحيح أن لديهم أسبابا واقعية للاعتقاد بأن هذا الخيار في متناولهم، لأن خريطة انتشارهم تحسنت، إلا أن دول "الناتو" تشكك في ذلك. لذلك تولي مختلف العواصم اهتماما بأي محاولة لإيجاد حل سياسي وبات معروفا أن مفتاح هذا الحل هو "تنحي القذافي"، وهذه ورقة يملكها القذافي نفسه، ووحده، فيلوح بها تارة ثم يحجبها، ويضعها على الطاولة بشكل افتراضي ثم يسحبها، وإذ يتنقل مبعوثوه بين باريس وموسكو وبريتوريا، فإنهم يرمون أمام محاوريهم أفكارا متناقضة لا يفهم منها أن الزعيم الليبي يريد فعلا إنجاز حل. بعد رفض مطلق للاعتراف بأن هناك معارضين، وبأنهم هزوا أركان النظام، لجأ القذافي قبل أسابيع إلى محاولة عقد صفقة سياسية من خلال القبائل، وبالفعل حصلت حوارات بين ممثلين قبليين، ما لبثت أن توسعت لتشمل تكنوقراطا، ممن يعملون في مؤسسات النظام، وتبين على إثرها أن المعارضة لا تريد إقصاء أحد وإنما ترفض بشدة مشاركة الحلقة الضيقة النظام في أي صيغة حكم مقبلة، خلال تلك الحوارات استخدم القذافي مبعوثيه للإيحاء بأنه "إيجابي" حيال أي حل تفاوضي، وعندما تيقن أن ممثلي القبائل لم يتمكنوا من تليين شروط المعارضة، عاد يلعب ورقة التنحي لكن بشرط أن يبقى في ليبيا ولا يغادرها، أما الشرط الآخر فهو أن يتقاسم المعارضون والموالون الحكم. وطبعا هناك شرط سحب مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحقه إلى جانب نجله سيف الإسلام ورئيس الاستخبارات عبدالله السنوسي. كان ممكناً تفادي إشكالية مذكرات التوقيف قبل صدورها، أما وأنها صدرت فأصبح من الصعب تجاهلها أو اعتبارها كأنها غير موجودة عمليا، خسر القذافي بموجبها احتمال الحصول على ضمانات بعدم الملاحقة في حال قرر انسحابا حقيقيا من الحكم أو الرحيل إلى منفى متفق عليه، وعندما طرحت فكرة بقاء القذافي مقيما في مكان ما في ليبيا، كان من السهل تصور انتقاله إلى ما يشبه الإقامة الجبرية، بإشراف وحراسة دوليتين، لكن من دون أي ضمانات بعدم الملاحقة، إذ لا يمكن منع المحكمة الجنائية الدولية من القيام بعملها، كما لا يمكن منع مواطنين ليبيين متضررين من النظام من مقاضاته، وأخيراً لا يمكن منع القضاء الليبي بعد استعادته اعتباره واستقلاليته من استجابة مطالب المواطنين. واقعياً، لم يكن هناك حل سياسي في أي لحظة، وإنما كان ولا يزال هناك سعي من القذافي لبلورة صفقة تكون فرنسا وروسيا والاتحاد الإفريقي أطرافا فيها، بالإضافة إلى من يرغب من دول الغرب، على أن يكون نظامه قائدا للحل ومستعدا لإشراك المعارضة فيما يسمى "إصلاحات سياسية" وعلى أن يضمن النظام مصالح الأطراف الخارجية التي تسهل تسيير الحل، ووفقا لمثل هذه الصفقة فإن مسألة تنحي القذافي لا تشكل معضلة أو عقبة، فهو قال دائما إنه لا يملك سلطة وليس لديه منصب أو صلاحيات وطالما أنه لا يعتزم الرحيل فإنه يمكن أن يصوغ تنحيه عن طريق ترفيع نجله سيف الإسلام.. وهكذا تبدو هذه الصفقة ملغومة وغير قابلة للترويج أو التنفيذ، ثم إن الأطراف المفترض أن تضمن حلا كهذا لم تعد مقتنعة بأن القذافي يمكن التعاقد معه نظرا إلى أنه لا يكف عن المراوغة. أخيراً أصبح للأمم المتحدة مبادرتها أيضا، وهي تتعامل مع المعطيات القائمة، أي أن هناك نظاما ومعارضة، وبالتالي لابد من دفعهما إلى التفاوض على حل يفترض أن يبدأ بوقف إطلاق النار وتحريك قوات الطرفين إلى مواقع تشكل نوعا من الهدنة تجري خلالها مفاوضات على صيغة الحكم، أما "التنحي" فيمكن أن يأتي بعد اتفاق الطرفين، لكن مجرد ذكر التنحي يعني أن النظام يرفض هذه المبادرة ومجرد ذكر التفاوض مع النظام يعني أن المعارضة سترفضها أيضا وهو ما حصل عمليا. يراهن القذافي على التململ داخل "الناتو" وسيحاول الصمود إلى ما بعد إنتهاء فترة عمل الحملة الأطلسية بنهاية سبتمبر المقبل، ويعزى التململ أولا إلى أن "الناتو" يقر باستحالة حسم المعركة عسكريا، وثانيا إلى أن الدول المشاركة في الحملة لم تحصل كلها على المصالح التي تطلعت إليها، لذلك يعتبر القذافي أنه لا يزال أمامه مجال للعب على التناقضات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نظامه وعائلته وأجهزته، لكن المعارضة خاضت معركتها من أجل تفكيك هذا النظام، والأكيد أن الأطراف الدولية تريد أيضا التخلص منه.