18 سبتمبر 2025
تسجيل"كان الربيع العربي لحظة تاريخية مماثلة للحظة سقوط جدار برلين، من حيث إعادة توزيع الخرائط الجيوسياسية، كما حصل بداية التسعينيات".. هكذا قرأ أغلب الخبراء للانتفاضات التي ضربت عددا من الدول العربية مطلع العام 2011. لكن أحدًا من هؤلاء لم يجازف في المراهنة على توقع ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة العربية عقب هذه الأحداث، إلا أن المحلل الرئيسي في "مجموعة الأزمات الدولية" مايكل العياري في حديث سابق لوكالة فرانس برس يرى أن التحالفات في المنطقة تبنى ثم تتفكك ونحن إزاء مسارات ربما ستستمر عقودا والانطباع العام أننا في مرحلة فراغ الآن. وعلى غرار غيرهم الذي تباينت آراؤهم في تشخيص الثورات، كان لتنظيم القاعدة قراءة خاصة حول أسباب الثورات والمآلات التي تتجه نحوها. وتبدو "رسالة الأمل والبشرى لأهلنا في مصر" لأيمن الظواهري عام 2011 أول تقييم تظهره القاعدة لمجرى الثورات العربية حيث اعتبر الظواهري في حينه ما حدث من ثورات هو جزء مكمّل للحرب التي تخوضها القاعدة في العراق وأفغانستان ضد الغرب والأنظمة المتحالفة معه، بهدف تحرير الأمة من الاستبداد والاحتلال. فالأمة "تخوض معركة واحدة ضد غزاة الحملة الصليبية ووكلائهم حكامنا الفاسدين المفسدين". ثم جاءت رسالة أبو يحيى الليبي -المفتي الشرعي للتنظيم بعنوان "ثورات الشعوب بين التأثر والتأثير". وهي أكثر مقاربة من رسالة الظواهري حيث رأى الانتفاضات التي حصلت "فرصةً سانحةً" يجب استثمارها، إذ أن "المطلوب من المجاهدين أن يتقنوا الولوج للأحداث محافظين على جهادهم ومبادئهم، وأن يحذروا من تسلل شيء من المفاهيم المعوجة إليهم في غمرة الانشغال والانفعال مع التغيرات الكبرى المتسارعة المبهرة".يستشرف أبو قتادة الفلسطيني في رسالته المعنونة "صدمة الثورات" أن المستفيد الأكبر من هذه الثورات هي الأمة حيث تخلخلت أعمدة النظم الحاكمة التي يسميها أبو قتادة "بنيان الجاهلية"، وذلك بتفاوت بين الدول، الأمر الذي حفز الحالة الجهادية وصارت رقما مهما في المواجهة. وخلافًا لنظرية المؤامرة الخارجية في تفسير ظاهرة الثورات والانتفاضات العربية يذهب أبو قتادة إلى أن ما حدث كان صدمة كبيرة بالنسبة للغرب، ولم يكن فاعلا فيها أو متنبئًا بحدوثها، وهو اليوم غير قادر على التحكم بمساراتها أو استشراف مستقبلها. يعيش الغرب صدمة لأنه أمام مشاكل جديدة مع "عالم الإسلام المقاتل، وعالم الإسلام المنتفض على جاهلية هو يسيطر عليها سنين كثيرة، جرت فيها الأمور على نسق مقارب، لا يخرج في بعض نتوءاته على ما يريد وما يستوعبه".أبعد من ذلك يندفع القيادي في تنظيم القاعدة، وأحد أبرز منظريها عبد الله العدم للقول إن الثورات العربية مهدت لحدوث فراغ سلطوي سيعقبه لا شك فوضى عارمة تعيد المنطقة العربية إلى حكم الطوائف والقبائل، ستبعثر أوراق النظام العالمي القائم ما قبل الثورة، وستشكل عاملًا مهمًا في خلخلة الاقتصاد الغربي، وبالتالي دفعه إلى مزيد من الإنهاك الذي سيساهم في تدميره كلية. والولايات المتحدة تحتضر اليوم من وجهة نظره، والفوضى إليها أقرب من أوروبا، والدولار عصب التماسك الاقتصادي الكوني الجامع للخليط الإثني في الولايات المتحدة الأمريكية يتعرض لهزات قاصمة بسبب تخبطات الاقتصاد الأمريكي الذي أثخنته الحرب على أسموه الإرهاب، والاقتصاد الأمريكي عماد الاقتصاد العالمي يمر بأقصى حالات التأزم، فانهياره يعني انهيار المنظومة الاقتصادية العالمية وانهيار الاقتصاد العالمي يعني الفوضى.ومع انهيار الدولار فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن يكون هناك جامع لولاياتها المختلفة عرقيًا وإثنيًا ومذهبيًا. فما يجمعهم سوى الدولار وقوة الاقتصاد، فإذا ضعف اقتصادها وانهار ستنهار معه هذه الوحدة الهشة، فليس هناك قومية جامعة تتعصب فيما بينها لتفادي الانهيار والفوضى، وليس هناك مذهب جامع لهم يجمعهم من التفرق والشتات.ومع تهاوي النظم العربية تحت ضربات مطرقة الثورات ووقوف الغرب على حافة الهاوية سيذلل الصعاب "ويزيل عوائق التمكين أمام المؤمنين، ويهيئ العالم لاستقبال الخلافة الراشدة" هي الخلاصة التي يتوصل إليها العدم في كتابه "العالم على أعتاب الفوضى".هل سيقنع الغرب بهذه النهاية الحتمية التي هندسها الجهاديون له؟ يتكفل زعيم حزب الأمة الإسلامي حاكم المطيري بالإجابة عن السؤال في إحدى تغريداته: "إذا كانت الثورات العربية زلزلت المنظومة الاستعمارية القديمة، فإن الأخيرة ما لبثت أن أعادت ترميم تحالفاتها لمواجهة ثورة الأمة وإعادة المنطقة إلى السيطرة من جديد مستغلة الفراغ السياسي الناتج عن الثورات الشعبية. وهكذا نجد أنفسنا أمام صراع مفتوح ليس له أفق ولا نهاية متوقعة، صراع أيديولوجيات، وصراع إرادات في وقت تطحن فيه الشعوب العربية طحنًا تحت مطرقة الفقر والجهل والتطرف والاستبداد ويخفت صوت الدعوة إلى عدالة اجتماعية لأن الحديث عنه يصبح من المترفات والكماليات التي تخلو منها أدبيات وأجندات النظم العربية والتنظيمات التي تواجهها في سبيل المحافظة على الدولة عند النظم أو الهوية الإسلامية عند من يحاربها اليوم.