17 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا والطريق إلى أوروبا

25 يونيو 2016

قال رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون إن تركيا لن تنضم قريبا إلى الاتحاد الأوروبي بل إنه يمكن أن يتم ذلك في العام 3000 أي بعد ألف سنة. كاميرون ساق هذا الكلام في إطار حملته للدفاع عن بقاء بريطانيا في الاتحاد في وجه الانتقادات التي تحذر البريطانيين من البقاء في اتحاد يمكن أن يدخل فيه الأتراك لتكون الغلبة للمسلمين ولغير الأوروبيين.في هذا الموقف شقان. واحد يتعلق بالعلاقة على مر التاريخ بين تركيا ومن قبلها الدولة العثمانية مع أوروبا والثاني يتعلق بمشكلة مستجدة اسمها اللاجئون السوريون وغير السوريين إلى أوروبا.كلام كاميرون يأتي من جانب الطرف الإنجليزي الذي يريد البقاء في الاتحاد الأوروبي والذي يرى في التحذير من الأتراك كلاما ليس في محله ولا يستدعي هذا الكم من التخويف. لذا فإن كلام الجانب الآخر المعارض لبقاء بريطانيا في الاتحاد يصب في خانة التطرف والعنصرية. لكن في المقارنة بين الموقفين فإنهما يلتقيان في النهاية، وعلى التفاوت في الحدة، على رفض الدخول التركي للاتحاد.في أوروبا يمكن القول إن هناك فوبيا تركية. وكما يقال إن هناك فوبيا من الأكراد في تركيا نفسها بحيث ترفض أنقرة أي نوع من المساومة مع حزب العمال الكردستاني والكتلة الكردية التي تؤيده، فإنه في أوروبا هناك فوبيا من الأتراك وتاليا من المسلمين. بل إنه في زمن غابر لم يكن هناك تفريق بين التركي والمسلم، وكل واحد منهما كان يعني في الوقت نفسه الآخر.ورغم أن دستور الاتحاد الأوروبي علماني فإن الذهنية الدينية موجودة في المنعطفات الحادة وإن كانت تغلف بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقبل سنوات اشتهر موقف لبابا الفاتيكان الذي دعا الاتحاد الأوروبي إلى تغيير دستوره وإدراج مسألة الهوية المسيحية في الإرث الثقافي الأوروبي.ولا ينسى الأوروبيون هذا التحول التاريخي في جغرافيتهم عندما نجح العثمانيون في تجاوز مضيق الدردنيل في أواخر القرن الرابع عشر للميلاد وبدؤوا يحتلون مناطق أوروبية ومن بعد ذلك كان التحول الكبير في السيطرة على القسطنطينية في العام 1453 في وقت كان المسلمون العرب والبربر لا يزالون في الأندلس.ولقد انتظر الأوروبيون 500 سنة وأكثر لكي ينتقموا من الأتراك وينهوا الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ومن بعدها كانت اتفاقيات تقسيم حتى لتركيا نفسها في العام 1920 على مثال اتفاقية سيفر.غير أن معاهدة لوزان رسمت حدود القوة والتوازنات بين تركيا الجديدة وأوروبا بأن وضعت تركيا فكريا وسياسيا في الإطار الأوروبي والعلماني على قاعدة تطويع الخصم من بيته.غير أنه مع بقاء العلمانية معتمدة في الدولة فإن المجتمع التركي أنتج أحزابا وتيارات ذات طابع إسلامي وصلت إلى ذروتها مع حزب العدالة والتنمية الذي يعمل على تغيير الطبيعة العلمانية للدولة وفي السلوكيات الاجتماعية في اتجاه إحياء النزعة العثمانية الإسلامية التي يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنها تمثل البداية الفعلية للتاريخ التركي وليس النزعة الجمهورية مع مصطفى كمال أتاتورك في العام 1923.أما الشق الثاني من النظرة الأوروبية المحذرة من الأتراك فيتعلق بملف اللاجئين السوريين وغير السوريين. حيث تضغط أنقره لتحقيق مكاسب في مجال آخر وهو إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول مقابل وقف ضخ اللاجئين من تركيا إلى أوروبا. وهكذا تجد أوروبا نفسها بين فكي كماشة. إما استقبال مسلمين من سوريا وأفغانستان وباكستان وليبيا وغيرها وإما فتح حدود أوروبا أمام الأتراك المسلمين. وفي الحالتين فإن أوروبا ستغرق في مشكلة غير محسوبة النتائج ومن غير المقدر أن يتم توقع النتائج بشكل دقيق منذ الآن. لذا فإن العلاقة الأوروبية مع تركيا سوف تبقى محكومة بذهنية التمييز والتمايز الثقافي والحضاري والديني مهما تعددت التبريرات الأخرى.