12 سبتمبر 2025
تسجيلفي السجن كانت فترة من أعصب فترات حياته، إذ كان الامتحان قاسياً، فما أن وصل إلى السجن حتى أمر الأمير بما يأمر به الظالمون دائماً:قللوا عنه الطعام والشراب..وأنى لهم ينالوا من جبل أشم يستعين بربه..كناطح صخرة يومـاً ليوهنهـافلم يضرها وأوهى قرنـه الوعـلو بدأت المساومات.. ارجع يا شيخ عما قلت.. احكم للأمير تكن من جلسائه والمقربين إليه.. تنال الخير وكل يوجه نصيحته بهذا القول.وكان رحمه الله يضحك، وحدث مرة أن سأله الأمير:كيف تضحك وأنت فيما أنت فيه من الإذلال؟ويجيبه الشيخ: أضحك عجباً، على أمير في مقامك يحاول بالباطل ليدحض به الحق، طلبك هذا مستحيل ولن تناله مني أبداً- وقد شاهدته بعيني بصيري وكنت أبكي وأنا صغيراً آنذاك ولكن لم تلن قناته إلا أنه كان يكثر من قوله حسبنا الله ونعم الوكيل.ولما يئس الأمير منه، أمر بشده بالحبال على الخشب وهو واقف، وهذا هو أسلوب الظالمين في كل زمان ومكان، وكان الشيخ يردد بصوت عال ليسمعه كل من يسمع وهو مشدود بالحبال: اعمل ما تريد.. فوالله لا تجدني راجعاً عن الحم بما أنزل الله، أما أنت فجزاؤك عند الله. إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.وقد بقي في السجن سبعة أيام، وشاع الخبر في القرى والمدن القريبة ولم يقف شقيق الشيخ- رحمهما الله مكتوف الأيدي أمام هذه النازلة، فذهب مع المدعي إلى الخان وقدما شكاية، فاهتم بالأمر وأرسل سبعاً من رجالات الدولة إلى (جفر مسلم) وقد شاع الخبر في الناحية قبل حضور رجال الدولة، فاطلق الأمير سراح الشيخ خوفاً من سطوة الخان.وعند عودة الشيخ إلى البيت نادى زوجته وأمرها يجمع كل الأغراض لفراق هذه البلاد التي يهان فيها المسلم العادل، وةيعتدي فيها على الحرمات..وأرسل صديقاً له يدعى أحمد ملا حسن إلى ميناء (مغوه) ليبحث له عن سفينة يفارق بها هذه البلاد..وفي صبيحة اليوم الثاني أمر بتحميل الأغراض الخفيفة وأبقى ما ثقل حمله عند العم أحمد وقسم البعض على محبيه، وسار الركب إلى (مغوه) وبات الجميع بها..أما ما كان من أمر رجالات الدولة الذين أرسلهم الخان إلى الأمير، فقد وصلوا إلى (جفر مسلم) وبدأ التحقيق، وتنصل الأمير عما فعل، وأخبرهم بأنه قد سجن الشيخ لأنه تطاول عليه وسبّه ، وليس من أجل الحكم. وكان الخان قد وصاهم بتنفيذ الحكم حالما يصلون، فوقفوا على مجرى الماء ونفذوا الحكم على ما حكم به الشيخ، ثم توجهوا إلى (مغوه) ومعهم الأمير وطلبوا من الشيخ الرجوع، ولكنه رفض وأصر على الفراق، وأخبرهم بأنه قد عاهد الله على السفر، ولا يستطيع نقض العهد. وأمام إصرارهم خاطبهم قائلاً: بلغوا الخان خاص تحياتي وجزيل سلامي، وأفهموه انني سوف أحقق عن قريب إكراماً له، أما الآن فلا يمكنني نقض عهدي مع الله..وقد كتبت فيما بعد رسالة إلى الخان، شكره فيها ودعا له بالتوفيق والسداد في إقامته حكم الله وتنفيذ شريعته.وسافر الشيخ إلى حيث عزم.. إلى الجزيرة العربية.