17 سبتمبر 2025

تسجيل

الإسلاميون والرأي العام

25 يونيو 2015

لقد كشفت الأحداث الأخيرة أن الإسلاميين رغم كل ما يحملونه لأمتهم من حب وانتماء ورغم كل نجاحهم في تجربة الحكم، ورغم انكشاف زيف الكثير من دعايات وإشاعات أعدائهم عليهم، أن الرأي العام لا يزال يتقبل الإساءة لهم، ويفرح بمصابهم، وأنه حتى لو اختارهم في السراء فمن السهولة أن يتخلى عنهم في الضراء.. وكأنه لا يزال يجربهم ويمتحن مصداقيتهم رغم أنه على الحقيقة والواقع لم ير منهم إلا كل خير.. قد يكون ذلك لأن بعض الإسلاميين يقعون فرديا أو حزبيا في أخطاء وخطايا تنسب لكل الإسلاميين، أو لأن شعوبنا عاشت دهرا تحت وطأة إعلام مغرض يشيع على الإسلاميين كل مذمة ويشينهم بكل نقيصة، أو لأن الرأي العام في بلادنا لا قيمة له ولا مشورة، ما يفقده القدرة على الفرز الموضوعي بين الطروحات.. أو لغير ذلك من أسباب على الإسلاميين أن يرصدوها وأن يعالجوها.في كل الأحوال لا يمكن تجاهل حقيقة أن بين الإسلاميين والرأي العام ليس عامرا، ما مكّن أعداءهم حتى الآن على الأقل، بما يملكون من قوى الدولة العميقة من الانقلاب عليهم وإفساد كل مسعاهم للتغيير والإصلاح والتداول السلمي للحكم. ولا يجوز أن يأخذ سحر بعض الانتصارات السياسية أو الموضعية هؤلاء الإسلاميين لتجاهل هذه المشكلة أو استصغارها أو تلوينها، ولا لنسبة أصول المشكلة للعوامل القهرية، ولا أن يكتفوا بترديد أن مشروعهم كبير ويحتاج تضحيات، أو أن العالم يتآمر عليهم، أو أنهم طلاب شهادة وفقط.. بل إن عليهم أن يصلوا للرأي العام وأن يقدموا روايتهم التي يجب أن تكون حقيقية ومقنعة.. وأرى في هذا السياق أن على الإسلاميين لينتصروا في معركة الرأي العام وصولا للانتصار في معركة التغيير والإصلاح جملة متطلبات جوهرية، أهمها ستة: أولا: أن ينتقدوا التجارب الخاطئة التي تقع باسم الإسلام، خصوصا من قوم يزعمون الإسلامية ثم يسمح لهم بطرائق مشبوهة أن يمارسوا أمراضهم النفسية وبؤسهم الأخلاقي باسم الإسلام لتشويهه أو خطأ في فهم ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من اللين والرحمة للعالمين وعدم الفظاظة وعدم الغلظة على المدعوين. ثانيا: وعلى الإسلاميين ألا ينجروا لمعارك داخل وطنية تعطي المصداقية لمقولات أعدائهم الجائرة التي تتهمهم بالدموية والعدمية وعدم الوطنية وتزيد استشكال الرأي العام حول سلميتهم.. هنا لابد أن أشيد بمنهج الإخوان المسلمين الذين قال مرشدهم وأعلى رتبة توجيهية تنظيمية فيهم – المرشد محمد بديع: "سلميتنا أقوى من الرصاص"، والظن، بل القطع، أن هذه المقولة الإستراتيجية هي السبب الحقيقي لحكم الإعدام الذي تلقاه من قضاء مصر الخرب. ثالثا: وعلى الإسلاميين أن يواجهوا الطائفية ولا يغرقوا فيها، بخصوصية أنهم أكثر المستهدفين منها، وأنها إن انطلقت فستأخذ في طريقها الكثير من أولوياتهم، وأنهم الأكثر وعيا ومعرفة وتضررا من مؤامرات الساعين في تأجيجها، ثم لأن مناهج الإسلاميين تقوم أساسا على القواعد الفقهية والعقدية التي هي حطب هذه الحرب وهي ثقافتها وزادها. رابعا: وعلى الإسلاميين أن يصنعوا قاعدة التقاء سياسي مع الآخرين، وأن يعمقوا فهمهم لشركائهم في الساحات الوطنية من موافقين ومخالفين مسلمين وغير مسلمين، فلا ينظروا لهم من زاوية المغالبة فقط، ولا على أنهم كتلة واحدة يؤخذ المحسن منهم بالمسيء، وعليهم أن يجدوا بدل ذلك الجامع المشترك مع الآخرين، فثمة ما يمكن الاتفاق والبناء عليه، وثمة ما يختلف عليه ويمكن ترحيله، وثمة ما يختلف عليه ويمكن التنازل عنه، وثمة ما يختلف عليه ويبقى الخلاف فيه على قاعدة التسامح والموضوعية والتقاسم والإعذار والتراضي.. خامسا: لا يجوز أن ينظر الإسلاميون إلى أنفسهم ولا أن ينظر إليهم غيرهم على أنهم يمثلون مراد الله تعالى لا بكليتهم ولا بأفرادهم ورموزهم مهما كان علمهم أو أداؤهم - فالله تعالى أعلم بمراده – وإنما هم بشر ليسوا معصومين من خطأ ولا من هوى نفس.. هذه القضية مهمة، ومن يرصد مقولات المسيئين الظن بالإسلاميين يجدهم يركزون على هذه القضية ويجدها مدار شبهاتهم واعتراضاتهم. سادسا: وعلى الإسلاميين أن يوسعوا دائرة فهمهم للواقع بقدر فهمهم للنصوص الدينية ومنطوقها ومفهومها، بما يصوب لهم تنزيل النصوص على الوقائع وبما يوسع لديهم هوامش الخيارات ويقلل مضائق الضرورات ويرسم على أسس صحيحة منظومة الأولويات وحدود الرخص والعزائم وتقرير الثوابت والتنازلات.. آخر القول: على الإسلاميين أن يكسبوا الرأي العام وأن يدرسوا بموضوعية ظاهرة تقبل الرأي العام لإدانتهم ومظلوميتهم والانقلاب عليهم، كما على خصومهم ومسيئي الظن فيهم أن يقيّموا بموضوعيتهم حاجتهم أو استغناءهم عنهم.