31 أكتوبر 2025

تسجيل

هل نعطي "وسطية" ميقاتي فرصة لإثبات إمكانية نجاحها؟

25 يونيو 2011

لم يكن غريباً – نظراً للفرز السياسي المزمن- أن تصف قيادات 14 آذار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أنها حكومة " صُنع في سوريا " أو أنها "حكومة حزب الله في لبنان أو تكون الأمرين معاً على حد قول السفير الأمريكي السابق في لبنان ومستشار وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان: "إنها في أحسن الأحوال حكومة سوريا في لبنان وفي أسوء الأحوال حكومة إيران في لبنان ". فالاتهامات الكبيرة أمر معتاد في العمل السياسي بين القوى اللبنانية، لكن السؤال الأكثر تحدياً اليوم على تلك القوى، سواء المشاركة في الحكومة أو خارجها، هل بالإمكان إعطاء الحكومة التي شكلها الرئيس نجيب ميقاتي فرصة لإثبات إمكانية ممارسة العمل السياسي وقيادة الحكومة – أيا كان أعضاء تلك الحكومة- وفقاً لمرجعية " الوسطية في التعاطي مع جميع الأطراف " دون التخوين والإقصاء والإبعاد والكيدية من الآخر، المخالف في التوجه أو الممارسة؟ وسبب دعوتي هذه، ليس لأني معجب بالحكومة التي شكلها الرئيس ميقاتي، أو أني قلق على مستقبل 14 آذار بعد وصول تحالف (عون- بري- حزب الله) إلى الحكومة، بل أملاً في تحطيم "مسلمة سياسية" مفادها: لا مكان في لبنان لأي فكر أو ممارسة وسطية، فإما أن تكون معي في خطي ونهجي وهدفي وإما أنك تحمل أجندة خارجية تآمرية على البلد ومنجزاته التاريخية. وبناء على هذه "المسلمة" التي تكرست عرفاً سياسياً في العقود الأربعة الماضية في لبنان فإننا لم نر يوماً جهة مستقلة أو تُوصف بأنها جهة سياسية محايدة تنأى بنفسها عن الفرز السياسي القائم في البلد. الشخص الوحيد الذي وصل إلى رئاسة الحكومة في ظل الوجود السوري وبعد خروجه من لبنان، وأعلن عن نفسه أنه لا مكان له على خريطة الفرز السياسي داخلياً وخارجياً هو نجيب ميقاتي الذي تربطه علاقات وصداقات تمتد من دمشق إلى السعودية مروراً بعواصم الخليج وصولاً إلى باريس وواشنطن. وقد ترجم ميقاتي ذلك عملياً خلال انخراطه في العمل العام منذ تولي أول وزارة له في حكومة الحريري الأب وإلى اليوم. حتى في عز المحن والفرز والاحتقان المذهبي والسياسي الذي مر فيه لبنان ودفع جميع قياداته السياسية إلى التورط بزلاّت لسان أو مواقف، كان ميقاتي يدرس كلاماته ويوزنها بشكل لا يحتمل اللبس ولا التأويل وذلك للحيلولة دون أن يخسر أي من حلفائه أو أن يخلق أعداء له في لبنان. هذا البلد الذي يعتبر العمل السياسي فيه هو بمثابة من يرقص على رزمة أوتار ترتفع بضعة سنتمترات عن أرض مليئة بالمفخخات والمتفجرات. وإذا كانت حكومة ميقاتي هي الحكومة الأولى في لبنان التي تتشكل من لون سياسي واحد، وهو ما يحمل مفارقة سياسية غريبة، كيف أن حكومة يشكلها شخص، يعلن الوسطية منهجاً له، تكون من لون سياسي واحد خلافاً لكل الأعراف والتقاليد السائدة في لبنان، والتي دعت رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن يعلن مراراً أنه لا يوقع يوماً على حكومة من لون واحد لأنها لن تكون "حكومة ميثاقية"، على قاعدة أن كلّ عمل عام في لبنان، من السياسي إلى الاقتصادي إلى الاجتماعي لا يكون إلا بالتراضي بين القيادات الفاعلة على الأرض، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل قادر ميقاتي بـ"حكومة اللون الواحد" وبشعار "كلنا للعمل " الذي هو جزء من النشيد الوطني اللبناني أن يبرهن على وسطية داخل لون واحد بعيداً عن الكيدية والإلغاء؟ قد تكون الإجابة صعبة صراحة، لكن لابد من منحه فرصة، ولا مناص أمام قوى 14 آذار سوى منحه هذه الفرصة علماً أن ذلك لا يعني أن عليهم أن يتخلوا عن المعارضة البناءة داخل البرلمان أو أن يشكلوا حكومة ظل تراقب كلّ تحركات وأنفاس الحكومة، وما يزيد ذلك ضرورة هو أن حكومة ميقاتي أمامها ملفات كثيرة وشائكة، منها ما هو مرتبط بملف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ومنها ما هو مرتبط بإعداد قانون انتخاب عصري يتناسب مع المعايير الدولية، حيث لدينا استحقاقات انتخابية في العام 2013، ومنها ما هو مرتبط بترميم العلاقة مع سوريا بما يحفظ وحدة وسيادة البلدين. ولعل ما يحمله ميقاتي من إرث وسطي قادر ربما أن يعطينا أسلوبا جديداً في العمل السياسي، يغيّر، ولو بالحد الأدنى، من المعادلات السياسية" ويكرس معادلة جديدة مفادها انه بإمكان السياسي الناجح أيضاً أن ينأى بنفسه عن أي معادلة سياسية تقوم على الخصام والإلغاء والتخوين للطرف الآخر وهي مفردات ومصطلحات وجملة كاملة اعتدنا على سماعها من جميع الجهات السياسية العاملة في لبنان. ولا عذر لميقاتي أن يقول يوماً إنه فشل في ذلك، فهو يملك إلى جانب جنبلاط وسليمان ما يعرف بـ"الثلث المعطل" داخل الحكومة ما يمنحه القدرة على رفض أي قرار وزاري يتناقض مع الخط الذي رسمه لنفسه. وبما أن حكومته من لون سياسي واحد فإن المطلوب اليوم أن يبرهن لنا ميقاتي بعد الشك الذي لحق فيه مع تأخير دام أربعة أشهر على تأليف الحكومة، أن في لبنان يمكن لك أن تكون سياسيا أو تنشأ حزبا سياسيا دون أن تستعدي سوريا أو السعودية أو واشنطن أو أي دولة أخرى، ودون أن تتهم خصمك السياسي بالتخوين والعمالة والفساد، وإنما ترتقي بالعمل السياسي العام ليتلاقى مع الديمقراطية التي يتمتع بها لبنان فيقدم مولوداً غير مشوّهاً في العمل السياسي.