15 سبتمبر 2025

تسجيل

ما بين معتقد ومشاعر المثقف المعاصر!

25 مايو 2021

إن بحثنا عن الثوابت وبشكل عام، قد نظن بأنها كمصطلح تعني ما هو متداول لمعنى من حيث المبدأ الراسخ على مدى سنوات مديدة وغير قابلة للتغيير إلا بتلك الحجة التي تبقي الثابت قويا وبنفس الأسس. ولكن حتى في الثوابت، تجد ان التطور جزء رئيسي مما يساهم على تعزيز المبدأ الثابت واستمراريته باستخدام أساليب العصرنة وتأقلم الثوابت بشكل أكثر تفاعلا مع حقبة المثقفين المعاصرين. الحديث من خلال هذا العمود الموجز سيكون عن الثوابت وارتباطها في المثقفين المعاصرين من حيث بناء معتقداتهم، ان كانت تعتبر كخصوصية قومية أم انها فعليا ترتبط بقضايا أمم دون خصخصة المعتقدات على انتماءاتهم الطبقية على سبيل المثال! وهل يسمح المثقف للمعتقد بأن يكون أكثر تجرداً من دون الشعور بالتمايز عما يميزه عن غيره من الأمم؟! الشيق أن نتحدى المثقف هنا عبر هذه الأسئلة المفتوحة لمعتقداته الخاصة الثابتة، وتحولها من خلال التكيف أو التجديد بحسب ما يفسر أدونيس الظاهرة كمفارقة ما بين الثابت والمتحول بشكل عام. وهذا بإيجاز الجانب النظري للموضوع من وجهة نظري، والذي أتمنى أن يكون أكثر تركيزاً على فكر المثقف وامكانياته في بناء معتقداته الفكرية قبل أن يقر وينتمي لمعتقدات الجماعة بشكلها التبعي. والثابت في هذه الحال يبنى على الحجة القوية. من الصعب الجزم على ان التاريخ يعتبر ثابتاً بشكل عام عبر ما وثق من مصادر، إذ لا تزال المصادر الأولوية تبنى الحقائق وتحلل الوقائع بمناظير المؤخرين المتفاوتة ومن زواياهم النقدية الخاصة، بالتالي يصعب بناء الحجج الثابتة عبر التاريخ، إنما تظل تحتاج إلى التحول الذي يواكب أكثر المعارف حجة وأكثرها واقعية بتجديد منطقي وأكثر رسوخاً. ولا يسعني هنا الحديث أكثر إلا عن مكانة المشاعر في ظل الثوابت عند معتقدات المثقف وكيف ظلت بلا تحول. ماذا لو كانت المعتقدات الخاصة غيبت بسبب تلك المشاعر، فأين يكمن موقف المثقف المعاصر في هذه الحال، بين معتقد الجماعة أو مشاعر تطغى على المعتقد؟ هل يمارس المثقف في هذه الحال لعبة المشاعر السياسية على حساب المعتقدات كما يصفها جوليان بيندا، بأن المثقف يمارس ظاهرة جعلته بعيداً عن التجريد للمصداقية والإنسانية وكمال الاخلاق، إنما يظل في هذه الحال دنيويا ومنتميا إلى خصوصيته التي يميز بها نفسه عن سائر العالم وسائر الإنسانية بتعالٍ وتمايز بحسب قوميته عن البقية والتي قد ترتبط بالمشاعر أكثر من الفكر. بمعنى آخر يكون ذلك الارتباط بالمعتقد عن طريق الشعراء لا العلماء، وبحكاياتهم الشعبية أكثر من العلوم الفلسفية. إذ لا يستطيع المثقف المعاصر في هذه الحال أن يكون إلا كومة مشاعر تتحرك وفقا لما وضعه لنفسه من تمييز بحسب حراكه القومي. وحتى وان حاول هذا القومي أن يعكس انسانيته لغيره من الأمم، فلا يزال بعيداً عن النزعة الأممية. فأين المثقف المتجرد من مشاعره من قضايا الأمة، وأين يجد نفسه صاحب معتقد ثابت ومتحول بحسب ظروف التجديد وطور التغيير؟. في الختام، أجد صعوبة فصل الخصوصية القومية عند معتقدات المثقف المجردة اليوم، والتي تبرز من المنظور المتكامل لمكانته الخاصة وتبنى عبرها المصلحة التي تحجب بالمشاعر وتجسد أخلاقيات العصر وتبعيتها، فلا تجسد بالضرورة الرسائل السامية للإنسانية ولا تحقق بالضرورة العدل لسائر الأمم من المنظور المعتقدي الخاص. [email protected]