30 أكتوبر 2025
تسجيل" إذا فتحت الباب فإنك لن تستطيع تحديد كمية الهواء الداخلة منه " مثل أمريكي.. كنت ممن لا يرون في الربيع العربي الذي ساد منطقتنا بملامح سياسية جديدة وغريبة أي بوادر خير على الأمة أو الإنسان العربي الذي تأقلم طويلاً مع ظروف محيطه وانهمك ملياً في البحث عن تدبير معاشه اليومي؛ أيضاً لا أحبذ التغيير ما لم يضمن الأفضل وفق معطيات محسوبة تحفظ قدراً من القيم والمفاهيم الموروثة وكذلك الأمن الذي يؤمن للناس أرضية مطمئنة لمعاشهم وسبل حياتهم. أيضا اشتهر العرب بمعرفة الطوالع ومواسم هبوب الرياح وأسبابها فيبذرون ويحصدون تبعا لذلك؛ إنما حين تباغتهم الرياح في غير موسمها فهم يتعوذون منها ومن شر ما تحمله؛ تماماً كما حملت نسائم ذلك المسمى بالربيع الذي فاقم سوداوية مزاج الإنسان العربي وصادر كل طموحاته وطموحات أمته للانعتاق من الارتهان الطويل للظروف ومشاكل الأمة فغدت الصورة أكثر وضوحاً لهذا الباب الذي فُتح عنوة لتمر الرياح العاصفة ربما على الطريقة الأمريكية حسب المثل أعلاه لتصفع الواقع العربي بالمزيد من العُقد والتأزم ولتحمل مشاهداً مروعة من أشكال القتل والموت المجاني للأطفال والنساء العرب وخراباً للديار في كل المدن التي استجابت لتلك الريح التي مدت قوتها بطاقة إضافية تُكرس صور الدمار والضياع كما في سوريا ومصر واليمن وليبيا وتونس حيث عربد ما يسمى الربيع بين أزقتها يحمل مع نسائمه المغلوطة فكراً غريباً وملامح لا تشبه قيم المدن العربية وشهامة رجالها؛ فقد تصادمت الوجوه ضمن تصنيف وفرز عجيب لتلك اللحمة التي كنا نحسبها توحدنا ذات يوم نحو المصير الواحد والهدف الواحد؛ لقد تاهت الخطى وتبعثرت اللحمة وغدا لكل فريق ما يدعيه! وتكرس اليأس عميقاً في نفوس العرب من هذا الربيع المصطنع كثوب محاك بيد ترزي لا يجيد حبك خيوط مهنته فغدا الثوب لا يناسب جسد صاحبه طولاً وعرضاً سوى أن حالة العري وتنوع الفتوق في ذلك الثوب القسري تغري شماتة الطامعين ونهمهم للاستمرار في فضح الجسد العربي المتعب والمثقل بهموم التاريخ وانتهازية المارقين الذين سهلوا لرياح ما يسمى بالربيع العبور بيننا لتزيد من حركة التاريخ وتغيراته دون الاهتمام بالصيغ المحدثة لتلك التغيرات؛ المهم أن الفوضى قد شاعت ربما حسب ما أسموها بـ "الفوضى الخلاقة" وازدهرت تجارة النعوش دون أن يطال الفرد العربي ملمساً للنجاة من ظروفه وظروف محيطه؛ والعجيب أن الفكر العربي بعمومياته وتاريخه ومعلقاته وأدبه استعصى عليه مبكراً فهم مفردة "الفوضى الخلاقة" وتعاطى معها كنوع من صيغ التحديث الواردة من الغرب دون أن يشكك في باطن المعنى أو حتى يستدرج عبر فطنته التي تلازمها بعض الريب لمفهوم هذه الصيغة التي تقاذفها الساسة لتمرير مشروع الربيع واحتمالات التجديد المبرمجة وفق إيديولوجيات معلنة وصراعات قائمة تتقاطع في بعضها مع الفهم السائد والموروث المكرس بين العامة من العرب؛ عموماً خيوط اللعبة تكشفت وإن رويداً حتى غدت ذات فهم أوسع بين العامة فصار أن يفهم المتآمرون على الأمة أن العبث بمكنونها عصي دائماً مهما كان النمو نحو التغيير نابعاً من الداخل؛ فقد دشن الربيع العربي فهماً جديداً للمعطيات وصار للأحداث قراءة لا تؤمن لبعد التغيير أي أرضية للاستمرار تماماً كما يقول التراث الأمريكي في المثل أعلاه فالهواء الداخل من باب التغيير لا يمكن تحديد حجمه حتى إنه حمل للأمة من الصحوات ما تقابل الخيانات والمؤامرات وتحافظ على مكونها.