31 أكتوبر 2025
تسجيللا صوت يعلو فوق صوت البندقية . فأزيز الرصاص يخطف البراءة من أفئدة الأطفال في عاصمة لبنان الثانية . مدينة طرابلس التي يزيد عدد سكانها عن نصف مليون نسمة تنام على معركة وتصبح على أخرى إذ باتت أسيرة السلاح والمسلحين ومصير أبنائها معلق بإصبع مقاتل يلامس زناد البندقية . ما يزيد عن ثلاثة عشر قتيلا ومائة جريح سقطوا خلال ثلاثة أيام، أغلبهم من النساء والأطفال وعابري السبيل ، في معركة الجميع يقاتل فيها على أنها معركة حياة أو موت ، معركة تحرير من عصابات يتبعون للنظام السوري في الشمال قلعة الإسلام والمسلمين بالنسبة لمقاتلي باب التبانة من السنة وهي معركة إثبات وجود وحفظ حقوق ومواجهة عصابات من التكفيريين والسلفيين المتشددين جاءوا من أصقاع الأرض للقضاء على الشيعة والعلويين وإسقاط النظام المقاوم الممانع كما يرى مقاتلو جبل محسن الذين يتبعون للحزب العربي الديمقراطي بقيادة رفعت عيد الذي لا يخفي ولاءه لسوريا والنظام السوري . المقاتل على ضفتي الجبهة يعتقد أنه إذا ما سقط سيكون شهيدا وستحمله الملائكة على أكفها إلى الجنة التي تتزين له استعدادا لاستقباله ، فهو يضحي بشبابه وزهرة عمره من أجل حماية معتقداته وعرضه وأهله .. الحقيقة أنها حرب قذرة ، حرب أهلية في الشكل والمضمون ، فالأخ يحرص على قتل أخيه في الوطن والحي والمدينة ، والأسباب والأعذار لديه كثيرة .. يقول البعض : هي حرب مرتبطة بالأزمة السياسية التي يعيشها لبنان . يرد آخر: بل هي انعكاس للمعارك التي تدور رحاها في مدينة القصير السورية . صدق الاثنان، يقول شخص ثالث : فلبنان في منطقة تعيش مخاضات كثيرة. ولبنان الذي نأت حكومته عن الأزمة السورية اتضح أنها نأت فقط عن الأمن والمواطن في لبنان في حين تورط القريب والبعيد في سوريا ، داعما بالسلاح والرجال تحت راية حماية الأهل والعشيرة والطائفة . ربما تكون الجولة الخامسة والعشرون من جولات حروب الجبل – التبانة ، منذ خروج الجيش السوري من لبنان العام 2005 ، لكنها لم تبلغ أن تصنف حربا أهليا إلا في الجولات الأخيرة ، مع زيادة الاحتقان الطائفي والمذهبي وبلوغه حدا يدفع الجار لقتل جاره لانتمائه السياسي بحجة أنه عدو كافر يتربص بالإسلام وأهله شرا . الجولة الأخيرة هي الأعنف ولا شك ، فعدد القتلى والجرحى وطبيعة الأسلحة المستعملة وتوسع دائرة المواجهات ووصول القذائف الصاروخية إلى جميع أحياء مدينة طرابلس يشير لمدى الخطورة التي وصلت إليه ما كان يطلق عليه "مناوشات زعران مأجورين " من هنا وهناك . لن يتعب من يريد ربط أحداث طرابلس الأخيرة بتطورات الأحداث في القصير ، كما سيجد متسعا ليربطها بتأزم الوضع السياسي الداخلي . فلبنان يعيش اليوم فراغا حكوميا وهو مقبل على فراغ أوسع . هناك استحقاق انتخابي بعد أن أشرف المجلس النيابي الحالي على انتهاء ولايته ولا يوجد قانون انتخاب على أساسه ستجرى الانتخابات القادمة والقوى السياسية كل منها يريد قانونا للانتخاب مفصل على مقاسه أما الحكومة فلم تشكل بعد وما تزال حكومة ميقاتي المستقيلة هي من تدير البلاد .. تشكيل الحكومة مرتبط بشكلها وهدفها وحجمها وعدد الحصص وكيفية توزيعها داخلها من ناحية، ومن ناحية أخرى مرتبطة بالتوافق على القانون الانتخابي . وكأننا في دائرة مقفلة لا يعرف من أين يبدأ أولها ولا أين ينتهي آخرها . الأمر نفسه ينسحب على المؤسسات الأخرى، فولاية رئيس الجمهورية هي أيضا أشرفت على الانتهاء ، وكذلك موقع قيادة الجيش بعد الفراغ الذي دخلته أصلا مؤسسة قوى الأمن الداخلي . وهكذا غالب مؤسسات الدولة مقبلة على فراغ في المناصب والمهام ولا رؤية واضحة حول موضوعها بعد . لبنان إذن على قائمة الانتظار السياسي ، شاء أهله أم أبوا . حريق في طرابلس وتوترات في صيدا ، وتململ داخل المخيمات الفلسطينية الخارجة عن سيطرة الدولة أًساساً ، واستقطاب سياسي حاد بين النخب السياسية والثقافية واحتقان مذهبي وديني داخل شرائح المجتمع اللبناني ، وإذا كانت سوريا تعيش حربا ساخنة حقيقة ، فإن لبنان يعيش حربا باردة على كافة الجبهات ، قد تبلغ شظاياها الآفاق قبل أن تضع الحرب في سوريا أوزارها .