16 سبتمبر 2025
تسجيلكان الشّد والتجاذب بين جوبا والخرطوم قبل الاتفاق الأخير في مارس الماضي بشأن ما عرف بالمصفوفة يدور حول من يسبق من؟. الملف الأمني أم الملف الاقتصادي؟. الخرطوم كانت تضع أولوية قصوى للملف الأمني وتريد أن تقطع جوبا ارتباطها العسكري والسياسي مع متمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال؛ بينما كانت جوبا تضع أولية قصوى للملف الاقتصادي، بعد الأزمة الضاغطة التي سببها انقطاع إيراداتها النفطية جراء وقف تصدير نفطها عبر الأراضي السودانية من طرف واحد من جانب جوبا.. الخرطوم ترى أن تطبيع العلاقات يمر بتسوية الملف الأمني؛ فيما ترى جوبا أن ذلك يمر عبر تسوية الملف الاقتصادي.. تسوية الملفين بالتزامن كان حلا مناسباً أنهى جدلا بيزنطيا تطاول عهده.. بعد أسابيع عسل معدودة تفجرت الأوضاع مؤخراً عندما هاجمت الجبهة الثورية وهي مجموعة حركات متمردة على السودان تجد الدعم من جوبا، منطقتي (أم روابة وأبو كرشولا) في ولايتي شمال وجنوب كردفان.. الخرطوم اتهمت جوبا بعدم إيفائها بالتزامها بوقف دعم المعارضة المسلحة؛ في الوقت ذاته تعثرت عمليات ضخ نفط الجنوب الذي عزته الخرطوم لأسباب فنية لكن جوبا اتهمت الخرطوم بتعمد تعطيل انسياب النفط عبر أراضيها. الخميس الماضي وصل وزير النفط في دولة جنوب السودان (متلهفاً) وشاكياً لطوب الأرض لتدني ضخ إنتاج نفط جنوب السودان من (200) ألف برميل في اليوم إلى (105) ألف برميل فقط.. جوبا كانت قد غضبت واستدعت المبعوث الصيني لديها شاكية، (بكين شريك أساسي للبلدين في صناعة النفط) وفي الوقت نفسه استدعت سفير السودان لديها ونقلت له احتجاجها.. المسؤول الصيني حدثهم عن أسباب فنية لا غير، فيما نقل لهم سفير الخرطوم نفياً قاطعاً بوقف الضخ عمداً.. الخرطوم تحفظ للقيادي بالحركة الشعبية وحكومة جوبا باقان أموم تهديده بإيقاف ضخ النفط متهماً السودان بسرقة نفطهم، ونفذت جوبا فيما بعد وعيدها.. حينذاك نصح الناصحون جوبا محذرين من إقدامها على عمل أخرق مثل إيقاف ضخ النفط، لأن جوبا ستكون أول المتضررين ليس بسبب وقف العائدات الدولارية فحسب، ولكن لأن الإيقاف سينتج عنه أضرار فنية بالغة يصعب تفاديها مستقبلا، بما في ذلك تدني إنتاج آبار النفط الجنوبية، فضلا عن أن استئناف الضخ سيواجه بمشكلات فنية معقدة تحتاج لكثير من الوقت والصبر.. وكيل وزارة الخارجية السودانية قدم شرحاً لرؤساء وممثلي البعثات الدبلوماسية الغربية وبعض البعثات الدبلوماسية الأخرى بالسودان عن المشاكل الفنية التي واجهت نقل بترول جنوب السودان.. المسؤول السوداني أوضح أن تعثر نقل البترول بسبب مشاكل فنية بحتة، وليس بسبب قرار سياسي من حكومة السودان.. واحدة من هذه الصعوبات حسب المسؤول السوداني، كانت ارتفاع نسبة المياه في البترول القادم من الجنوب فاقت نسبة الـ(40%) بينما الحد الأعلى المسموح به (10%) مما سيضر بالأنابيب إلى جانب تعطل شبكة منظومة الاتصالات اللازمة للتحكم في متطلبات التشغيل بسبب وقف العمل منذ العام الماضي فضلاً عن العقبات التي يواجهها فريق الصيانة من الجانب السوداني في الدخول والخروج إلى ومن جنوب السودان. لاشك عندي أن الخرطوم أحرص ما يكون على تبريد الجبهة مع جوبا ومن هنا فإن ما أدلى به جهاز الأمن السوداني من معلومات عن دعم جوبا للمتمردين ضد الخرطوم عندي صحيح (100%)، فلو لا فاض الكيل لما تدفقت تلك المعلومات الخطيرة.. الجرأة التي اقتحمت بها قوات الجبهة الثورية مدن (أم روابة) و(أبو كرشولا)، لا تتأتّى إلا لمن أمّن ظهره بدعم سخي.. الخرطوم تهمس قائلة هذه جوبا وهي بهذا الكرم رغم أنها تشكو الفاقة؛ فما بال حالها عندما تتدفق إليها عائدات البترول الذي بلغ في مسيره نحو التصدير مسافة مقدرة؟ السؤال الكبير هو، ماذا فاعل ثابو أمبيكي رئيس الوساطة الإفريقية رفيعة المستوى، بعد الإدانات الدولية لعملية (أم روابة) و(أبو كرشولا)، ابتداءً من بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة ومروراً بالجامعة العربية وانتهاءً بالاتحاد الإفريقي؟