17 سبتمبر 2025

تسجيل

الفضاء العام في عصر الإعلام الجديد

25 أبريل 2015

الفضاء العام هو ذلك المجال في الحياة الاجتماعية أين يلتقي الجمهور ذو الاهتمامات الخاصة ليناقش ويكتشف ويحدد ويقترح الحلول للمشاكل التي يعيشها ويعاني منها، وهدف هذا الجمهور هو التأثير في صاحب القرار السياسي، فالفضاء العام يعني المشاركة السياسية للجماهير بطريقة منظمة بهدف تشكيل الرأي العام للمشاركة في الحياة السياسية، وبنضجه يؤدي إلى الديمقراطية المشاركة (participative democracy) وصناعة الرأي العام ليصبح فعلا سياسيا. يقوم الحكم الديمقراطي على قدرة الحكومات على الاستماع للفضاء العام وكذلك على قدرة المواطنين على تنظيم أنفسهم والخوض في حوار بناء حول اهتماماتهم ومشاكلهم ومطالبهم، مع انتشار ظاهرة العولمة شهد الفضاء العام تغييرات جذرية شهد الفضاء العام تغيرات كبيرة في عصر العولمة سواء فيما يتعلق بالمحتوى،"اللاعبون، الخطاب أو الشكل".ومع زوال الحدود السياسية والجغرافية والثقافية التي تميز الاتصال السياسي الوطني، اكتسب مصطلح الفضاء العام أبعادا قارية ودولية جديدة، لقد سمحت التكنولوجيات الجديدة للاتصال متمثلة في القنوات التلفزيونية الفضائية والشبكة العنكبوتية الدولية، بنقاشات عالمية لقضايا ومشاكل تواجه المجتمعات في عصر ما بعد الحرب الباردة. ففي تطوره الهيكلي أصبح الفضاء العام عالميا وموطنا للاعبين دوليين، يطرح قضايا دولية مستفيدا من قنوات اتصال عديدة ومتنوعة ومستهدفا جماهير عالمية. السؤال الأول الذي يُطرح في هذا السياق هو: هل هناك فضاء عام في العالم العربي؟ أما السؤال الثاني فهو على النحو التالي: إلى أي مدى يستطيع الإعلام الجديد المساهمة في إفراز فضاء عام في العالم العربي؟ للإجابة على السؤال الأول يجب أن نبحث عن مستلزمات وشروط الفضاء العام هل هي متوفرة وموجودة في العالم العربي. بمعنى آخر هل هناك نظام إعلامي قوي؟ هل هناك مجتمع مدني فعال؟ هل هناك درجة عالية من المسؤولية الاجتماعية والمشاركة في القضايا والشؤون الاجتماعية من قبل المواطنين والمؤسسات والمنظمات على حد سواء؟ كما يتطلب الفضاء العام حرية التعبير وحرية التجمع وحرية الصحافة والحق في المشاركة، دون ضغوط ولا حواجز في النقاشات السياسية وفي عملية صناعة القرار. لقد استطاع الإعلام الجديد أن يحدث ثورة في عالم الاتصال لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، حيث إنه أفرز شبكة اتصال عالمية سمعية وبصرية ونصية إلكترونيا والتي من شأنها أن تنهي التمييز بين الشخصي والجماهيري وبين الاتصال العام والخاص، فالإعلام الجديد خاصة الانترنت يوفر فضاءً عاما ديمقراطيا يستطيع من خلاله المواطنون التفاعل والحوار والنقاش ومن ثمة المساهمة في نقاش غني مفتوح للجميع. كما يوفر الإعلام الجديد مناخ الفرص الشاملة على المستوى العالمي لفضاء عام معولم، حيث نشاهد اليوم "مجتمعات افتراضية" على الشبكة اختصرت المسافات الجغرافية وتخلصت من الضغوط الاجتماعية. لكن الإشكال المطروح هنا، هو ما موقع دول العالم الثالث في العولمة وفي الفضاء العام المعولم. يرى الأكاديميون المختصون أن الإعلام الجديد بصدد إفراز مجتمع ما بعد الثورة الصناعية أو المجتمع المعولم، بينما نلاحظ أن غالبية الدول النامية ومن بينها الدول العربية مازالت تعيش في مرحلة الموجة الثانية كما حددها ألفين طوفلر. ماذا عن الفجوة الرقمية و80 مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة. هل العولمة توفر الفرص بالتساوي للجميع؟ وهل كل واحد بإمكانه أن يبني طريقة حياته ويختار أيديولوجيته من العدد الهائل من الاختيارات؟ أسهم الإعلام الجديد في كسر آليات الاتصال التقليدية وهيمنة السلطة على الإعلام خاصة الرسمي منه وبذلك التحكم في الرأي العام. فالبث الفضائي المباشر والتطبيقات المختلفة للانترنت كالتدوين والمنتديات والشبكات الاجتماعية فرضت كلها منطقا جديدا وحضورا إعلاميا وعلنية لم تكن موجودة من قبل. فوساطة الدولة انهارت، هذه الوساطة التي كانت تحدد للجمهور ما يشاهد وما يقرأ وما يسمع. من جهة أخرى، أدت التطورات الجديدة التي أفرزها الإعلام الجديد إلى قدرة المواطن على امتلاك أدوات التواصل والنشر والحضور في الفضاء العام، فالشبكات الاجتماعية فتحت المجال أمام المواطنين لطرح قضاياهم ومشاكلهم وهمومهم وللتفاعل فيما بينهم وهذا ما أفرز فضاءً عاما نشطا وفعالا. هذه الشبكات كذلك عززت ثقافة الحوار والنقاش وعززت الاستقلالية الثقافية والانفتاح على الآخر. يطلق على الجيل الجديد من تكنولوجيا الاتصال كالانترنت والاتصال عن طريق الأقمار الصناعية والبث التلفزيوني المباشر وغيرها من الوسائل التي غيرت قنوات واستخدامات الاتصال ابتداء من الربع الأخير من القرن الماضي، اسم الإعلام الجديد. وإذا أخذنا الانترنت كمثال نلاحظ أنه يوفر ثلاثة مجالات للاستخدامات: الاستخدام الفردي-الجماعي (المدونات، المجموعات الإخبارية، البريد الإلكتروني، الدردشة، والمواقع على الشبكة). أما المجال الثاني فيشمل المنظمات والمؤسسات (منظمات الأعمال، مواقع الشركات، جمعيات، مواقع إدارات ودوائر حكومية ومواقع كيانات مختلفة). أما المجال الثالث فيشمل المجال الإعلامي أي استخدام وسائل الإعلام للشبكة كمواقع المؤسسات الإعلامية والإعلام الإلكتروني بأشكاله المختلفة والشبكات الاجتماعية المختلفة. يوفر الإعلام الجديد حزمة من الفرص للأفراد والمنظمات والجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والسياسية والرياضية والثقافية والدينية والمؤسسات الإعلامية...إلخ لتبادل المعلومات والتفاعل والتواصل مباشرة مع الآخر دون تكلفة وفي فترة وجيزة لا تتعدى ثوان معدودات. يقدم الإعلام الجديد فرصا عديدة حيث إنه يختصر معنى المسافة الجغرافية، ويسمح بارتفاع كبير في حجم الاتصال، ويوفر إمكانية زيادة سرعة الاتصال وفرص الاتصال التفاعلي ويسمح بأشكال التواصل التي كانت في السابق منفصلة وغير قابلة للتماس والتشابك. ظهرت في بداية التسعينيات اتجاهات فكرية غربية تبشر بتغيرات إيجابية في الاتصال السياسي في العالم العربي كنتيجة لانتشار التكنولوجيات الحديثة للاتصال والإعلام والمعلومات التي أفرزت فضاء عاما أكثر ديمقراطية وأكثر مشاركة ومساهمة في مناقشة قضايا الشعب والمجتمع والشأن العام. تميزت هذه الأطروحات في مجملها بانحيازها للجهود التي تقوم بها الدول الغربية لإحداث التغيير والإصلاحات الديمقراطية في منطقة تحكمها منذ زمن بعيد أنظمة سلطوية. يستحيل الكلام عن فضاء عام عربي خارج إطار حدود التنمية المستدامة والمشاركة السياسية الديمقراطية والعادلة في المجتمعات العربية. يرى بعض المحللين أن "الإسلاموقراطية" كمبدأ وكمفهوم هو السبيل الأمثل لتحقيق الفضاء العام العربي الجديد والذي يقوم على القيم الأخلاقية الإسلامية والممارسات السياسية المعاصرة. المبدأ الجديد يحقق الاتصال البيني بين الدول العربية نفسها ويجسد الحوار بينها وبين الثقافات المختلفة في العالم. يلعب الإعلام العربي دورا محوريا في إثراء الفضاء العام من خلال تعزيز الهوية الثقافية والمشاركة السياسية في المجتمعات العربية، كما أنه لا يمكن البحث عن إطار واضح المعالم لإعلام عربي بهوية متماسكة دون التأسيس لنظرية اجتماعية وسياسية تقوم على النسيج القيمي العربي الإسلامي والتقاليد المعاصرة في المشاركة السياسية والاجتماعية في إطار مجتمع مدني فعال وديناميكي، لأن الإعلام لا يعمل في فراغ، بل يجسد دائما الرؤى الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع في إطار منظومة واضحة ومتكاملة تقوم على منهج متناسق ومتكامل يجمع ما بين الأصالة ممثلة في قيم الإسلام العظيمة، والمعاصرة ممثلة في ممارسات العمل السياسي الحديث. فبعد مرور أكثر من مائتين عام على حملة نابليون بونابرت على مصر، مازال العالم العربي يبحث عن رؤية توفيقية تجمع بشكل متناغم بين القيم والتقاليد العربية الإسلامية وبين الممارسات الغربية المعاصرة في شتى جوانب الحياة. البحث مازال قائما حتى الساعة بل زاد حدة مع بداية التسعينيات من القرن الماضي في ظل أفول الشيوعية ونهاية الحرب الباردة وهيمنة العولمة على مختلف جوانب الحياة في العالم العربي.