18 سبتمبر 2025

تسجيل

إضاءات حول إمامة الحاكم المتغلب

25 مارس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مسألة الانقلابات العسكرية على الحكومات الشرعية المنتخبة الممثلة لإرادة الشعب في العصر الحديث، عرف شبيهٌ لها لدى فقهاء السياسة الشرعية القدامى بما أسموه "إمامة المتغلب".فقد اعتبر بعض الفقهاء أن التغلُّب هو إحدى طرائق الوصول إلى السلطة، إذا استقرَّ للمتغلب الوضع، ودان له الناس. وهذا ما فعله عبدالملك بن مرْوان، بعد انتصاره على ابن الزبير -رضي الله عنه- وقد أقرَّه الناس، ومنهم بعض الصحابة: مثل: ابن عمر، وأنس بن مالك، وغيرهما، حقنا للدماء ومنعا للفتنة، وقد قيل: سلطان غشوم، خير من فتنة تدوم.والحق أن التغلب ليس طريقا شرعيا للوصول إلى الحكم، إنما هو طريق اللصوص والقتلة وقطاع الطرق، للقفز على أعلى ولاية في الدولة وهي ولاية الرئاسة التي تضاهي الإمامة العظمى، وإنما هو اعتراف بالواقع إذا حدث، ونزولا على حكم القوة والضرورة عن غير رضا أو إرادة، وأن قبوله إنما هو قبول المضطر، كمن يقدم مضطرا على أكل لحم الميتة أو شرب الخمر إذا تعرض للهلاك من باب "الضرورات تبيح المحظورات".وتبقى نظرة الفقهاء إليه والمفتين والمسلمين الصادقين المتطلعين لتغييره على هذا النحو، حتى يتسنى لهم تغيير هذا الواقع الخاطئ، ريثما تتهيأ الأسباب، وتسنح لهم الفرصة لتغييره. ويرى الفقهاء أن السعي واجب دائما لإزالة إمامة المتغلب عند الإمكان، ولا يجوز أن توطن الأنفس على دوامها، هذا من ناحية.ومن ناحية أخرى فإن ما ورد عند الفقهاء القائلين بعدم الخروج على الحاكم المتغلب اشترطوا أن يكون قد استقر له الأمر، واستتب له الحكم، وتمكن من الإحكام على مفاصل القوة، فيصبح الخروج عليه بدون قوة مكافِئة ضربًا من الانتحار، وتعريضا للنفس للهلكة دون ثمرة ترجى، وخوضا في بحار من الفتن والفوضى تسيل فيها الدماء ويضطرب معها الأمن.كما قيد الفقهاء ذلك بما إذا كان في صرفه عن الإمامة فتنة لا تطاق، فإن لم يترتب على صرفه فتنة، أو كان في صرفه أخف الضررين، وجب صرفه عن الإمامة وإخراجه منها. فلماذا نتوهم دائما أن التسليم لإمامة المتغلب هو أخف الضررين، وليس صرفه هو أخف الضررين؟ وهناك من لا يجيزون الخروج على الحاكم الذي وصل بالتغلب، حتى لو كان ظالما أو فاسقا، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك. أقول: إن ترديد مثل هذا القول أبد الدهر لا يخدم إلا الظالمين والمستبدين، كما يعد البوابة الخلفية التي يعبر من خلالها مَن يريد الوصف بالتغلب، ما دام هذا هو المخدر الذي سيهدئ أعصاب المسلمين، والرأي الفقهي الذي سيسكت صوت الحيارى المتسائلين.للأسف ترديد مثل هذه الآراء اليوم نوع من التقنين لأوضاع الظالمين والمستبدين بمستند من الفقه، وعهد أمان مسبق من الفقهاء للمتغلبين، وإغراء لكل من يأنس من وضعه قوة بالتغلب على إرادات الشعوب الحرة، ومباركة فقهية باسم الشرع للظلم والظالمين، وشرعنة لتخطى إرادة الأمة باسم التغلب، والرضوخ للواقع، وقتل لروح التغيير والمقاومة والإنكار للمنكر في حياة الناس.ثم إن كان هذا الذي تغلب جاء ليزيل ظالما ويصلح، فليعد الأمر إلى إرادة الأمة وهي تختار، إن رأت فيه خيرا فبها، وإلا فلا، وإن كان متغلبا لرغبة وهوى وتسلط فلم يتغير وصفه عمن سبقه، إذ المحصلة استبدال ظالم بظالم، فيبقى تغييره ونصب الحاكم العادل هو المفتى به، متى وجدت الشعوب في نفسها القدرة على تغييره حتى لا تستكين الأمة لمخدر التغلب وتدمنه، وتعتاده وترتضيه، وتنطفئ في حياتها جذوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتركن إليه باعتباره حلا فقهيا له وصف الشرعية، ويتحول الأمر من النظر إلى التغلب على أنه حالة طارئة ووضع مؤقت إلى حالة دائمة ووضع مستقر، وهذا ما يفسر لنا التتابع الوراثي في الملك، والاتجاه الجبري في الحكم منذ مئات السنين من تاريخ أمتنا. ولعل ترديد هذا الرأي في الفقه السياسي الإسلامي دون وضع ضوابط له كان أحد أسباب تأخر الشعوب المسلمة في نيل حرياتها، والعمل على استعادة كرامتها، وبناء نهضتها.